الفصل الثاني
في
اللذة والألم
اعلم (١). إنك قد عرفت أن اللذة ، إما أن تكون جسمانية وإما أن تكون روحانية. أما اللذة الجسمانية فعلى الله محال ، لأنه لما ثبت أنه تعالى ليس بجسم كانت اللذة الجسمانية عليه ممتنعة. وأما اللذة الروحانية فقد أطبقت الفلاسفة على إثباتها لواجب الوجود. واحتجوا عليه بأن قالوا : ندعي حصول أمرين : أحدهما : كونه تعالى محبا لذاته.
والثاني : كونه تعالى مبتهجا بكمالاته ملتذا بها. أما الأول فتقريره : أن علم الشيء بكون الشيء كاملا يوجب محبة ذلك الشيء. ودليله : الاستقرار. فإنا إذا سمعنا بشجاعة رستم ، واسفنديار ، حصل في قلبنا حب شديد وميل عظيم ، وليس هناك إلا أن اعتقادنا لثبوت الكمالات لهم ، أفاد ذلك الحب.
إذا ثبت هذا فنقول : علمه تعالى أفضل العلوم ، وكماله أفضل الكمالات. فإذا علم بذلك العلم الكامل ذلك الكمال التام لذاته ، وجب أن يترتب على ذلك العلم التام : حصول الحب التام. وأما الثاني وهو كونه مبتهجا بذاته ، ملتذا بكمالاته. فتقريره : أن علم الشيء بكمال نفسه ، كما يوجب الحب الشديد له ، فكذلك يوجب الابتهاج والالتذاذ. ولما حصل ذلك العلم
__________________
(١) الفصل الثامن عشر (س).