أن يكون هو الله تعالى ، أو العبد ، أو حدث ، لا عن مؤثر ، فإن كان المؤثر فيه هو الله تعالى فعند حصوله يجب الفعل ، وعند لا حصوله يمتنع الفعل فيكون الفعل اضطراريا. وأما إن كان فاعله هو العبد عاد التقسيم الأول ، فيفتقر العبد في فعله إلى مرجح آخر ، ويلزم التسلسل وهو محال. وأما إن قلنا : بأنه حدث هذا المرجح لا لمؤثر ، ولا لمحدث ، أو قلنا : بأن القدرة صالحة للضدين. ثم صدر عن القادر أحد الطرفين دون الثاني ، كان صدور الفعل على كل واحد (من هذين التقديرين) (١) اتفاقيا ، لأنه لما كانت نسبة القدرة إلى الطرفين على السوية ثم وقع أحد الطرفين لا لمخصص ولا لمرجح ، كان هذا اتفاقيا. فيثبت بهذا البرهان القاهر : أن صدور الفعل عن العبد إما أن يكون اضطراريا ، وإما أن يكون اتفاقيا. وإذا ثبت هذا فنقول : وجب أن لا يبقى تحسين العقل وتقبيحه ، لأن الخصم يساعدنا على أن كل واحد من هذين التقديرين ، ينافي القول بثبوت التحسين والتقبيح بحسب العقل.
الحجة الحادية عشر : إنا سنقيم الدلائل القاهرة في باب الجبر والقدر (٢) ، على أن الخالق لجميع المحدثات هو الله تعالى. وعلى هذا التقدير فإنه يجب القطع بأنه لا يقبح من الله تعالى شيء. وهذا برهان قاهر : والله أعلم.
الحجة الثانية عشر : المعقول من الوجوب ، كون الفعل بحال يستحق تاركه الذم على بعض الوجوه ، وحصول هذه اللازمة في حق الله تعالى محال. لأن المعقول من الذم (أنه عن) قول ، أو فعل ، أو ترك قول ، أو ترك فعل ، يلزم منه تألم قلب الإنسان ، ونفرة طبعه ، واختلال مصالحه. وكل ذلك في حق الله : محال فكان كونه مستحقا للذم : محالا. فيلزم (أن يكون تحقق معنى الوجود في حقه : محالا).
__________________
(١) من (م ، س).
(٢) الخير والعدل (س).