وعلم (١) الكفر منهم وأخبر عن وجود الكفر فيهم. وكل واحدة من هذه الأربعة موجب تام لحصول الكفر. وأيضا : خلق فيهم مجموع القدرة والداعي الذي هو موجب الكفر. وأراد ذلك المجموع وعلمه وأخبر عنه ، وكل واحد من هذه الأربعة أيضا سبب تام لحصول الكفر، وأيضا : لم يخلق الإيمان فيهم وما أراده منهم. وما علمه منهم ، وما أخبر عنهم. وهذه الأربعة أيضا أسباب تامة ، وأيضا لم يخلق فيهم داعية الإيمان ولم يرده ، ولم يعلمه ولم يخبر عنه ، وكل واحد من هذه الأربعة أيضا سبب تام. فيثبت أن على قول الجبرية : حصل الجواب التام المسكت لقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) (٢)؟ من ستة عشر وجها. فيثبت أنه لو كان الخبر حقا ، لكان هذا السؤال باطلا.
الحجة الثامنة : إن هذه المدائح والزواجر غير مختصة بالقرآن ، بل هو موجود في جميع الكتب الإلهية ، ومذكور في سنة جميع الأنبياء والرسل ، ولو كان العلم والخبر مانعا ، لبطل الكل.
الحجة التاسعة : الآيات الدالة على أن تكليف ما لا يطاق لم توجد. قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٣) وقال : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٤) وقال : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ، وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٥) وأي حرج ومشقة فوق التكليف بالمحال؟.
فهذا ما يتعلق بالدلائل السمعية.
وأما الدلائل العقلية فمن وجوه :
الحجة الأولى : إنه لو كان العلم بعدم الشيء مانعا من تكوينه ، لزم أن لا يكون الله قادرا على شيء أصلا ، لأن الذي علم الله وقوعه يكون واجب
__________________
(١) وخلق فيهم (س).
(٢) البقرة (٢٨).
(٣) البقرة (٢٨٦).
(٤) الحج (٧٨).
(٥) الأعراف (١٥٧).