الوقوع ، وما لم يعلم يكون ممتنع الوقوع. والواجب لا قدرة على إيجاده ، لأنه لما كان واجب الوقوع ، فهو يقع ، سواء فعله القادر أو لم يفعله. وأما الممتنع فظاهر أنه لا قدرة عليه ، فيلزم أن يقال : إن الله تعالى لا قدرة له على شيء أصلا. ومعلوم أن الكلام في الحكمة والسفه ، فرع على إثبات كونه قادرا ، فإن كان هذا الكلام يقدح في كونه تعالى قادرا ، وجب أن يكون باطلا.
الحجة الثانية : إن العلم يتعلق بالشيء على ما هو عليه ، فإن كان ممكنا في نفسه ، علمه ممكنا ، وإن كان واجبا ، علمه واجبا ، ولا شك أن الإيمان والكفر بحسب ماهيته وذاته ممكن الوجود ، فلو صار واجب الوجود بسبب العلم والخبر ، لزم كون العلم والخبر مؤثرين في تغير حال المعلوم ، والمخبر ، وفي تبديل صفته ، وذلك محال. فيثبت أن العلم والخبر لا يوجبان امتناع المعلوم والمخبر.
الحجة الثالثة : إنه لو كان العلم والخبر مانعا من الفعل ، لما كان العبد قادرا على شيء أصلا ، لأن الذي علم الله وقوعه ، كان واجب الوقوع ، والواجب لا قدرة عليه. والذي علم عدمه كان ممتنع الوقوع ، والممتنع لا قدرة عليه ، فوجب أن لا يكون العبد قادرا على شيء أصلا ، فيلزم أن تكون حركاته وسكناته جارية مجرى الحركات الاضطرارية للحيوانات. لكنا بالبديهة نعلم فساد ذلك ، فإن من رمى في وجه إنسان بآجرة حتى شجّه ، فإنه يذم الرامي ولا يذم الوجه ، ويدرك بالبديهة تفرقة بين ما إذا سقطت الآجرّة عليه من السقف ، وما بين ما إذا رمى بالقصد إنسان وجهه بالآجرة ، ولذلك فإن العقلاء ببداءة عقولهم يدركون الفرق بين مدح المحسن وذم المسيء ، ويلتمسون ويأمرون ويعاتبون ويقولون : لم فعلت؟ ولم تركت؟ فيثبت أن العلم والخبر لو كان مانعا من الفعل ، لما صح المدح والذم البتة ، وثبت أن حسن المدح والذم معلوم بالضرورة ، فوجب أن لا يكون ذلك العلم والخبر مانعا من الفعل.
الحجة الرابعة : لو كان العلم بالعدم (١) مانعا من الوجود ، لكان أمر
__________________
(١) العلم بالعلم (م).