فمن توقّف في كون
السفر لمجرّد الزيارة قربة ، لزمه التوقّف في كون الزيارة قربة.
ومن قال : بأنّ
كون السفر لمجرّد الزيارة قربة من الأُمور الخفيّة ، لزمه أن يقول بذلك في الزيارة
، فإنّه تقرّر أنّ الملازمة بينهما بيّنة معلومة من الشرع.
فإن قلت : فما تقولون
في السفر إلى زيارة ما عدا قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
قلت : قال الفقيه
الإمام أبو محمّد عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المالكيّ المعروف ب «الشارمساحي»
في كتاب «تلخيص محصول المدوّنة من الأحكام» الملقّب ب «نظم الدرّ» في كتاب الجامع
في الباب الحادي عشر في السفر ، وهو أحد أبوابه ، قال في هذا الباب : والسفر قسمان
: هرب ، وطلب ، أمّا الهرب فالخروج من أرض الحرب ، وأرض البدعة ، وأرض غلب عليها
الحرام ، ومن خوف الأذى في البدن ، ومن الأرض الغمّة .
وأمّا الطلب فيكون
للحجّ ، والجهاد ، والعمرة ، والمعاش ، والاتّجار ، وقصد البقاع الشريفة ؛ وهي
المساجد الثلاثة ، ومواضع الرباط تكثيراً لأهلها ، ولطلب العلم ، ولتفقّد أحوال
الإخوان ، وزيارة الموتى ؛ لينتفعوا بترحّم الأحياء ، وقصد الانتفاع بالميّت بدعة
إلّا في زيارة قبر المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم وقبور المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ، انتهى.
فأمّا استثناؤه
قبر المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ، واقتصاره إن
قصدها للانتفاع بهم سنّة ، فصحيح.
والظاهر أنّ ذلك
عامّ في زيارتها ، والسفر إليها ، كما يقتضيه صدر كلامه.
وأمّا السفر لزيارة
غيرهم من الموتى لينتفعوا بترحّم الأحياء ، فقد عدّه
__________________