ثمّ ، إنّ ابن تاشفين نزل سبتة ، وأمر جيشه ، فعبروا إلى الجزيرة الخضراء ، ولمّا تكامل له جنده عبر هو في السّاقة. ثمّ إنّه اجتمع بالمعتمد. وقد عرض المعتمد عساكره. وأقبل المسلمون من كلّ النّواحي طلبا للجهاد. وبلغ الأدفونش الخبر فخرج في أربعين ألف فارس ، وكتب إلى ابن تاشفين يتهدّده ، فكتب ابن تاشفين جوابه في ظهر كتابه : «الّذي يكون ستراه». وردّه إليه. فلمّا وقف عليه ارتاع لذلك ، وقال : هذا رجل عازم (١).
ثمّ سار حزب الإسلام وحزب الصّليب والتقى (٢) الجمعان بالزّلّاقة من بلد بطليوس ، فكانت ملحمة كبرى ، وهزم الله الأدفونش ، بعد استئصال عسكره ، ولم يسلم معه سوى نفر يسير. وذلك في يوم الجمعة من رمضان سنة تسع وسبعين.
وأصاب المعتمد جراحات في وجهه وبدنه ، وشهدوا له بالشّجاعة ، وغنم المسلمون شيئا كثيرا (٣).
وعاد ابن تاشفين إلى بلاده. ثمّ إنّه في العام المقبل ، عدّى إلى الأندلس ، وتلقّاه المعتمد ، وحاصرا بعض حصون الفرنج ، فلم يقدروا عليها (٤) ، فرحل ابن تاشفين ، ومرّ بغرناطة ، فأخرج إليه صاحبها عبد الله بن بلكّين تقادم سنيّة ، وتلقّاه ، فغدر به ابن تاشفين ، ودخل بلده وقصره ، وأخذ منه ما لا يحصى ، ثمّ رجع إلى مرّاكش ، وقد أعجبه حسن الأندلس وبساتينها وبناها ومطاعمها الّتي لا توجد بمرّاكش ، فإنّها بلاد بربر وأجلاف العربان. وجعل خواصّ ابن تاشفين يعظّمون عنده الأندلس ، ويحسّنون له أخذها ، ويغرون قلبه على المعتمد بأشياء (٥).
__________________
= أسخطت الله ، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه؟ وحينئذ أقصر أصحابه عن لومه. (الروض المعطار ٢٨٨).
(١) في الأصل : «عارم».
(٢) في الأصل : «التقا».
(٣) انظر : الروض المعطار ٢٨٩ ـ ٢٩١.
(٤) في الأصل : «عليه».
(٥) وفيات الأعيان ٥ / ٢٧ ـ ٣٠.