وشبّه النبي صلىاللهعليهوسلم كلّ فرقة ضالّة من هذه الأمّة بأمّة ضالّة من الأمم السالفة ، فقال : «القدريّة مجوس هذه الأمّة» ، وقال : «المشبّهة يهود هذه الأمّة ، والرّوافض نصاراها».
وقال عليه الصّلاة والسّلام جملة : «لتسلكنّ سبل الأمم قبلكم حذو القذّة بالقذّة (١) ، والنّعل بالنّعل ، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه» (٢).
المقدمة الرابعة
في بيان أوّل شبهة وقعت في الملّة الإسلامية ،
وكيفية انشعابها ، ومن مصدرها ، ومن مظهرها
وكما قرّرنا أنّ الشبهات التي وقعت في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أوّل الزمان ، كذلك يمكن أن نقرر في زمان كل نبيّ ودور صاحب كلّ ملّة وشريعة : أنّ شبهات أمّته في آخر زمانه ؛ ناشئة من شبهات خصماء أوّل زمانه من الكفّار والملحدين وأكثرها من المنافقين ، وإن خفي علينا ذلك في الأمم السالفة لتمادي الزمان ، فلم يخف في هذه الأمة أنّ شبهاتها نشأت كلّها من شبهات منافقي زمن النبي عليه الصّلاة والسلام ، إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى ، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى ، وسألوا عما منعوا من الخوض فيه ، والسؤال عنه ، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه.
اعتبر حديث ذي الخويصرة (٣) التميمي ، إذ قال : اعدل يا محمّد فإنّك لم تعدل ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : «إن لم أعدل فمن يعدل؟» فعاد اللعين وقال : «هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى» ، وذلك خروج صريح على النبيّ عليه الصلاة والسلام ولو صار من اعترض على الإمام الحق خارجا ، فمن اعترض
__________________
(١) القذّة ، بالضمّ : ريش السّهم والجمع قذذ.
(٢) الضبّ : حيوان من الزحافات شبيه بالحرذون ذنبه كثير العقد.
(٣) ذو الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير. شهد مع علي في صفين ثم صار من الخوارج ومن أشدهم على علي. قتل سنة ٣٧. (أسد الغابة ١ : ٣٩٦).