وحكما بالهوى في مقابلة النص ، واستكبارا على الأمر بقياس العقل؟ حتى قال عليه الصلاة والسلام : «سيخرج (١) من ضئضئ (٢) هذا الرّجل قوم يمرقون (٣) من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة ...» الخبر بتمامه.
واعتبر حال طائفة أخرى من المنافقين يوم أحد ، إذ قالوا : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) (٤) ، وقولهم : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) (٥) ، وقولهم : (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) (٦) ، فهل ذلك إلّا تصريح بالقدر؟ وقول طائفة من المشركين : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (٧) ، وقول طائفة : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) (٨) ، فهل هذا إلّا تصريح بالجبر؟
واعتبر حال طائفة أخرى حيث جادلوا في ذات الله ، تفكرا في جلاله ، وتصرفا في أفعاله حتى منعهم وخوّفهم بقوله تعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (٩) ، فهذا ما كان في زمانه عليه الصلاة والسلام وهو على شوكته وقوته وصحّة بدنه ، والمنافقون يخادعون فيظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، وإنما يظهر نفاقهم بالاعتراض في كل وقت على حركاته وسكناته ، فصارت الاعتراضات كالبذور ، وظهرت منها الشبهات كالزروع.
وأمّا الاختلافات الواقعة في حال مرضه عليه الصلاة والسلام وبعد وفاته بين
__________________
(١) في مسلم أنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود. (مسلم ٣ : ١١١).
(٢) الضئضئ : الأصل.
(٣) يمرقون من الدين : يخرجون منه.
(٤) سورة آل عمران : الآية ١٥٤.
(٥) سورة آل عمران : الآية ١٥٤.
(٦) سورة آل عمران : الآية ١٥٦.
(٧) سورة النحل : الآية ٣٥.
(٨) سورة يس : الآية ٤٧.
(٩) سورة الرعد : الآية ١٣.