والإنجيل النازل على المسيح عليهالسلام لا يتضمن أحكاما ، ولا يستبطن حلالا ولا حراما ، ولكنه رموز وأمثال ، ومواعظ ومزاجر ، وما سواها من الشرائع والأحكام فمحالة على التوراة كما سنبين. فكانت اليهود لهذه القضية لم ينقادوا لعيسى ابن مريم عليهالسلام ، وادعوا عليه أنه كان مأمورا بمتابعة موسى عليهالسلام ، وموافقة التوراة ، فغير وبدل. وعدّوا عليه تلك التغييرات ، منها : تغيير السبت إلى الأحد. ومنها تغيير أكل لحم الخنزير ، وكان حراما في التوراة. ومنها : الختان والغسل ، وغير ذلك.
والمسلمون قد بينوا أن الأمتين قد أبدلوا وحرفوا ، وإلا فعيسى عليهالسلام كان مقررا لما جاء به موسى عليهالسلام ، وكلاهما مبشران (١) بمقدم نبينا محمد نبي الرحمة صلوات الله عليهم أجمعين. وقد أمرهم أئمتهم وأنبياؤهم وكتابهم بذلك. وإنما بنى أسلافهم الحصون والقلاع بقرب المدينة لنصرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم نبي آخر الزمان. فأمروهم بمهاجرة أوطانهم بالشام إلى تلك القلاع والبقاع ، حتى إذا ظهر وأعلن الحق بفاران (٢) ، وهاجر إلى دار هجرته يثرب هجروه وتركوا نصره (٣). وذلك قوله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا* فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
__________________
(١) في كتابه «مخطوطات البحر الميت» ص ١ يقول القس أ. باول ديفز رئيس كنيسة كل القديسين في واشنطن : «إن مخطوطات البحر الميت ـ وهي أعظم الاكتشافات منذ قرون عديدة ـ قد تغيّر الفهم التقليدي للإنجيل» وجاء في هذه المخطوطات ما يلي : «إن عيسى كان مسيا المسيحيين وأن هناك مسيا آخر» وكلمة مسيا آرامية وتعني رسول». [ويعني بقوله مسيا آخر : النبي محمد صلىاللهعليهوسلم].
(٢) فاران : بعد الألف راء ، وآخره نون. كلمة عبرانية معربة : وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة. وقيل : هو اسم لجبال مكة. وفي التوراة : جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من فاران ، مجيئه من سيناء تكليمه لموسى عليهالسلام ، وإشراقه من ساعير وهي جبال فلسطين ، هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليهالسلام. واستعلانه من جبال فاران إنزاله القرآن على محمد صلىاللهعليهوسلم قالوا : وفاران : جبال مكة. (راجع معجم البلدان ٤ : ٢٢٥).
(٣) قال ابن عباس : «كانت اليهود يستفتحون ، أي يستنصرون على الأوس والخزرج قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ وابن البراء : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه وما بالذي ـ