توفي ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة ، ودفن من الغد ، وأحضر إلى دار المقتدي بالله أمير المؤمنين ، فصلى عليه ، ودفن بباب أبرز. وجلس أصحابه للعزاء بالمدرسة النّظامية. وكان الّذي صلّى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبريّ.
ولما انقضى العزاء رتب مؤيد الدّولة ابن نظام الملك أبا سعد المتولي مدرسا ، فلما وصل الخبر إلى نظام الملك ، كتب بإنكار ذلك ، وقال : كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة من أجل الشّيخ. وعاب على من تولّى مكانه ، وأمر أنّ يدرس الشيخ أبو نصر عبد السّيد بن الصّبّاغ مكانه (١)
__________________
= وقال ابن السمعاني : أنشدنا أبو المظفر شبيب بن الحسين القاضي ، أنشدني أبو إسحاق ـ يعني الشيرازي ـ لنفسه :
جاء الربيع وحسن ورده |
|
ومضى الشتاء وقبح برده |
فاشرب على وجه الحبيب |
|
ووجنتيه وحسن خدّه |
قال ابن السمعاني : قال لي شبيب : ثم جاء بعد أن أنشدني هذين البيتين بمدة كنت جالسا عند الشيخ ، فذكر بين يديه أن هذين البيتين أنشدا عند القاضي يمين الدولة حاكم صور ، بلدة على ساحل بحر الروم ، فقال لغلامه : أحضر ذاك الشأن ـ يعني الشراب ـ فقد أفتانا به الإمام أبو إسحاق. فبكى الإمام ودعا على نفسه ، وقال : ليتني لم أقل هذين البيتين قط. ثم قال لي :كيف تردّها من أفواه الناس؟ فقلت : يا سيدي هيهات! قد سارت به الركبان. (المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ، ٤٤ ، ٤٥ ، الوافي بالوفيات ٦ / ٦٥) وفيه «عين الدولة حاكم صور» وهو الصحيح. وهو ابن أبي عقيل.
وقال ابن الخاضبة : كان ابن أبي عقيل يبعث من صور إلى الشيخ أبي إسحاق البذلة والعمامة المثمنة ، فكان لا يلبس العمامة حتى يغسلها في دجلة ، ويقصد طهارتها.
وقيل إن أبا إسحاق نزع عمامته ـ وكانت بعشرين دينارا ـ وتوضأ في دجلة ، فجاء لصّ ، فأخذها ، وترك عمامة ، رديئة بدلها ، فطلع الشيخ ، فلبسها ، وما شعر حتى سألوه وهو يدرس ، فقال : لعلّ الّذي أخذها محتاج. (سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٥٩).
(١) المنتظم ٩ / ٨ (١٦ / ٢٣٠ ، ٢٣١ ، وفيات الأعيان ١ / ٣١ ، طبقات الشافعية للإسنويّ ٢ / ١٣١ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٢٥ ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٦١.
وقال ابن الأثير : «أكثر الشعراء مراثيه. فمنهم : أبو الحسن الخباز ، والبندنيجيّ ، وغيرهما ، وكان رحمة الله عليه ، واحد عصره علما وزهدا وعبادة وسخاء ، وصلي عليه في جامع القصر ، وجلس أصحابه للعزاء في المدرسة النظامية ثلاثة أيام ، ولم يتخلف أحد عن العزاء.
وكان مؤيد الملك بن نظام الملك ببغداد ، فرتب في التدريس أبا سعد عبد الرحمن بن المأمون المتولي ، فلما بلغ ذلك نظام الملك أنكره ، وقال : كان يجب أن تغلق المدرسة بعد الشيخ أبي إسحاق سنة. وصلي عليه بباب الفردوس ، وهذا لم يفعل على غيره. وصلى عليه الخليفة المقتدي بأمر ، الله ، وتقدّم في الصلاة عليه أبو الفتح ابن رئيس الرؤساء ، وهو ينوب في الوزارة ،=