الجرجانيّ القاضي بالبصرة قال : كان أبو إسحاق لا يملك شيئا من الدّنيا ، فبلغ به الفقر حتّى كان لا يجد قوتا ولا ملبسا. ولقد كنّا نأتيه وهو ساكن في القطيعة ، فيقوم لنا نصف قومة ، كي لا يظهر منه شيء من العري (١). وكنت أمشي معه ، فتعلق بنا باقلانيّ وقال : يا شيخ ، أفقرتني وكسرتني ، وأكلت رأس مالي ، ادفع إليّ ما لي عندك.
فقلنا : وكم لك عنده؟
قال : أظنّه قال : حبتان [من] ذهب أو حبّتان ونصف (٢).
وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن الخاضبة : سمعت بعض أصحاب الشّيخ أبي إسحاق يقول : رأيت الشّيخ كان يركع ركعتين عند فراغ كلّ فصل من «المهذب» (٣).
قال : قرأت بخطّ أبي الفتوح يوسف بن محمد بن مقلد الدّمشقيّ : سمعت الوزير ابن هبيرة : سمعت أبا الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى يقول : جاء رجل من ميافارقين إلى والدي ليتفقه عليه ، فقال : أنت شافعيّ ، وأهل بلدك شافعية ، فكيف تشتغل بمذهب أحمد؟
قال : قد أحببته لأجلك.
فقال : يا ولدي ما هو مصلحة. تبقى وحدك في بلدك ما لك من تذاكرة ، ولا تذكر له درسا ، وتقع بينكم خصومات ، وأنت وحيد لا يطيب عيشك.
فقال : إنّما أحببته وطلبته لما ظهر من دينك وعلمك.
قال : أنا أدلك على من هو خير مني ، الشّيخ أبو إسحاق.
فقال : يا سيدي ، إني لا أعرفه.
فقال : أنا أمضي معك إليه.
__________________
(١) الخبر حتى هنا في : طبقات الشافعية للسبكي ٣ / ٩٠.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٥٩ والإضافة منه والتصحيح. وفي الأصل : «حبتين ذهب ، أو حبتين ونصف».
(٣) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٥٩ ، طبقات السبكي ٣ / ٨٩.