فجعلوا نصفي شواء ونصفي قديدا فأكلوني ، فأكون عذرة ولا أكون بشرا. (١) هل هذا إلّا مساو لقول الله تعالى (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٢)؟
وقال لا بن عبّاس عند احتضاره : لو أنّ لي ملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتديت به نفسي من هول المطلع! (٣)
وهذا مثل قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ) (٤).
فلينظر المنصف العاقل قول الرجلين عند احتضارهما ، وقول عليّ عليهالسلام : متى ألقاها؟ متى يبعث أشقاها؟ متى ألقى الأحبّة محمّدا وحزبه؟ وقوله حين قتل : فزت وربّ الكعبة! (٥)
وروى صاحب الصحاح السبعة في الستّة من مسند ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في مرض موته : ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لا تضلّون به من بعدي ، فقال عمر : إنّ الرجل ليهجر ، حسبنا كتاب الله! وكثر اللّغط فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اخرجوا عنّي لا ينبغي التنازع لديّ فقال ابن عبّاس : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. (٦)
__________________
(١) حلية الأولياء ١ : ٥٢ ، وكنز العمال : ١٢ / الحديث ٣٥٩١٢.
(٢) النبأ : ٤٠.
(٣) حلية الأولياء ١ : ٥٢ ، والمعجم الاوسط للطبراني ١ : ٣٤٤ ـ ٣٤٦ / الحديث ٥٨٣ بسنده عن ابن عمر في حديث طويل ، جاء فيه : فخرج بياض اللبن من الجرحين ، فعرف أنّه الموت ، فقال : الآن لو أنّ لي الدنيا كلّها لافتديت بها من هول المطّلع. وقال : ويلك وويل أمّك عمر إن لم يغفر الله لك. وانظر المستدرك للحاكم ٣ : ٩٢. وفي طبقات ابن سعد ٣ : ٣٦٠ : آخر كلمة فاهها عمر حتّى قضى : ويلي وويل أمّي إن لم يغفر الله لي! ويلي وويل أمّي إن لم يغفر الله لي ، ويلي وويل أمّي إن لم يغفر الله لي.
(٤) الزمر : ٤٧.
(٥) الاستيعاب لابن عبد البر ٣ : ٥٩ ، في ترجمة أمير المؤمنين علي عليهالسلام. وطبقات ابن سعد ٣ : ٣٣ و ٣٤ ، وتذكرة الخواص : ١٧٢ ـ ١٧٥ ، والفصول المهمة : ١٣١.
(٦) صحيح البخاري ١ : ٣٩ / كتاب العلم ـ باب كتابة العلم ، و ٩ : ١٣٧ / كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ـ باب كراهة الخلاف ، وصحيح مسلم ٥ : ٧٦ / كتاب الوصية ـ باب ترك الوصية ، وطبقات ابن سعد ٢ : ٢٤٢ ـ ٢٤٤.