قوله في الوجه الثاني : أن يكون المؤمنين بعضهم أولياء بعض بمعنى النصرة أمر ظاهر عرف من قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فلا يكون في حمل الآية فائدة.
قلنا : بل فيه ثلاث فوائد : أحدها : أنّ الحكم العام يصحّ تخصيصه أي بعض منه كان ، وأمّا التنصيص على البعض المعيّن فلا يصحّ ذلك فيه. وثانيها : التشريف بالذكر. وثالثها : أنّ القصد بالآية إثبات ولاية المؤمنين للمؤمنين ، ونفيها عن اليهود والنصارى على ما دلّ عليه سياق هذه الآية وهذا المقصود غير حاصل في قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).
لا يقال : العلم بكون اليهود والنصارى ليسوا أولياء المؤمنين ضروري فلا حاجة فيه إلى هذه الآية.
لأنّا نقول : لا يمتنع أن تكون الآية دلّت على سبب يقتضي الشكّ في وجوب نصرة اليهود والنصارى ، وإذا لم يمتنع ذلك لم يكن القطع على أنّه لا فائدة في نزول الآية لبيان ذلك ، كيف وقد روي أنّه كان بين الخزرج وبين يهود بني قينقاع حلف في الجاهلية ، فلمّا أسرهم النبي صلىاللهعليهوآله أقام عبد الله بن ابي (١) على نصرتهم ونودي عبادة بن الصامت (٢) ودخل عبد الله بن ابي على رسول الله صلىاللهعليهوآله وسأله وألحّ عليه فأطلقهم النبي صلىاللهعليهوآله فأنزل الله هذه الآية (٣) تمنعهم عمّا اعتقدوا من أنّه إذا
__________________
(١) عبد الله بن ابي بن سلول رأس المنافقين.
(٢) ابن القيس الأنصاري الخزرجي (٣٨ ق ـ ٣٤ ه) شهد العقبة في نقباء الأنصار ، وشهد بدرا وسائر المشاهد ، وحضر فتح مصر ، وولي على القضاء في الرملة أو القدس من فلسطين ومات هناك في ٣٤ ه.
(٣) سيرة ابن هشام ٣ : ٥٠ ـ ٥٣ ، ومغازي الواقدي ١ : ١٧٦ ـ ١٨٠ ، وإعلام الورى : ٨٠ ، ولعلّه عن ابن إسحاق.