مالأ على قتل عثمان (رضي الله عنه) حيث ترك معاونته ، وجعل قتلته خواصه وبطانته ، فاجتمع الفريقان بصفين ، وهي قرية خراب من قرى الروم على غلوة من الفرات ، ودامت الحرب بينهم شهورا ، فسمي ذلك حرب صفين. والذي اتفق عليه أهل الحق أن المصيب في جميع ذلك علي (رضي الله عنه) لما ثبت من إمامته ببيعة أهل الحل والعقد وظهر من تفاوت إما بينه وبين المخالفين سيما معاوية وأحزابه ، وتكاثر من الأخبار في كون الحق معه ، وما وقع عليه الاتفاق حتى من الأعداء إلى أنه أفضل زمانه. وأنه لا أحق بالإمامة منه. والمخالفون بغاة لخروجهم على الإمام الحق بشبهة هي تركه القصاص من قتلة عثمان (رضي الله عنه) ولقوله صلىاللهعليهوسلم لعمار : «تقتلك الفئة الباغية» وقد قتل يوم صفين على يد أهل الشام. ولقول علي (رضي الله تعالى عنه) : إخواننا بغوا علينا ، وليسوا كفارا ولا فسقة ولا ظلمة لما لهم من التأويل. وإن كان باطلا فغاية الأمر أنهم أخطئوا في الاجتهاد. وذلك لا يوجب التفسيق ، فضلا عن التكفير. ولهذا منع علي (رضي الله عنه) أصحابه من لعن أهل الشام ، وقال : إخواننا بغوا علينا. كيف وقد صح ندم طلحة والزبير (رضي الله عنهما) وانصراف الزبير (رضي الله عنه) عن الحرب ، واشتهر ندم عائشة (رضي الله عنها). والمحقون من أصحابنا على أن حرب الجمل كانت فلتة من غير قصد من الفريقين ، بل كانت تهييجا من قتلة عثمان (رضي الله عنه) حيث صاروا فرقتين ، واختلطوا بالعسكرين ، وأقاموا الحرب خوفا من القصاص ، وقصد عائشة (رضي الله عنها) لم يكن إلا إصلاح الطائفتين وتسكين الفتنة ، فوقعت في الحرب.
وما ذهب إليه الشيعة من أن محاربي علي كفرة ، ومخالفوه فسقة تمسكا بقوله (صلىاللهعليهوسلم) «حربك يا علي حربي». وبأن الطاعة واجبة ، وترك الواجب فسق ، فمن اجتراءاتهم وجهالاتهم حيث لم يفرقوا بين ما يكون بتأويل واجتهاد وبين ما لا يكون. نعم : لو قلنا بكفر الخوارج بناء على تكفيرهم عليا (رضي الله عنه) : لم يبعد ، لكنه بحث آخر.
فإن قيل : لا كلام في أن عليا أعلم وأفضل ، وفي باب الاجتهاد أكمل لكن من