وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (١)
لظهور أن ذلك تولي محبة ونصرة لا إمامة. وبالجملة لا يخفى على من تأمل في سياق الآية وكان له معرفة بأساليب الكلام أن ليس المراد بالولي فيها ما يقتضي الإمامة ، بل الموالاة والنصرة والمحبة ، ثم وصف المؤمنين لما ذكر يجوز أن يكون للمدح والتعظيم ، دون التقييد والتخصيص ، وأن يكون لزيادة شرف الموصوفين واستحقاقهم أن يتخذوا أولياء ، وأولويتهم بذلك ، وقربهم ونصرتهم ، وشفقتهم الحاملة على النصرة وقوله : (وَهُمْ راكِعُونَ) كما يحتمل الحال يحتمل العطف ، بمعنى أنهم يركعون في صلاتهم لا كصلاة اليهود خالية عن الركوع أو بمعنى أنهم خاضعون. على أن هاهنا وجوها أخر من الاعتراض ، منها أن النصرة وإن كانت عامة ، لكن إذا أضيفت إلى جماعة مخصوصة من المؤمنين فبالضرورة تختص بمن عداهم ، لأن الإنسان لا يكون ناصرا لنفسه. وكأنه قيل لبعض المؤمنين : إنما ناصركم البعض الآخر.
قال الإمام الرازي : إن هذا السؤال عليه التعويل في دفع هذه الشبهة (٢) فإنه دقيق متين ، وأنت خبير بأن مبناه على اختصاص الخطاب بالبعض من المؤمنين ، وعلى كون المؤمنين الموصوفين جميع من عداهم. ومنها أن الحصر إنما يكون نفيا لما وقع فيه تردد ونزاع (٣) ولا خفاء في أن ذلك عند نزول الآية لم يكن إمامة الأئمة الثلاثة (٤).
ومنها أن ظاهر الآية ثبوت الولاية بالفعل ، وفي الحال ، ولا شبهة في أن إمامة علي (رضي الله عنه) إنما كانت بعد النبي (صلىاللهعليهوسلم) والقول بأنه كانت له ولاية التصرف في أمر المسلمين في حياة النبي (صلىاللهعليهوسلم) أيضا مكابرة. وصرف الولاية إلى ما يكون في المآل دون الحال لا يستقيم في حق الله تعالى ورسوله.
__________________
(١) سورة المائدة آية رقم ٥١ وقد جاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة حيث قال «ومن يولّه».
(٢) سقط من (ب) لفظ (الشبهة).
(٣) في (ب) أو بدلا من (الواو).
(٤) سقط من (أ) لفظ (الثلاثة).