أعظم من الجزء ، أنه لو لم يكن كذلك لكان الجزء الآخر كائنا وليس بكائن ، وفي قولنا : الجسم الواحد لا يكون في آن واحد في مكانين ، أنه لو وجد فيهما لكان الواحد اثنين ، فيكون أحد المثلين كائنا وليس بكائن ، وعلى هذا القياس ، وأما عدم الوثوق ، فلأن العلم بحقيقة هذه القضية وقطعيتها يتوقف على تصور الوجود ، والعدم أعني الكون واللاكون وعلى تحقيق معنى كون الشيء موضوعا وكونه محمولا ، وعلى دفع الشبهات التي تورد على الأمرين ، وهذه الأمور الثلاثة إنما تتبين بأنظار دقيقة فإن تمت الأنظار وحصلت المطالب ويتوقف لا محالة على أحقية (١) هذه القضية لكونها أول الأوائل ، لزم الدور (٢) وكون الشيء نظريا على تقدير (٣) كونه ضروريا وهو محال ، وإن بقي شيء منها (٤) في حيز الإبهام لم يحصل الجزم بالقضية ، وهو المرام ، والجواب أن بديهة العقل جازمة بها وبحقيقتها (٥) من غير نظر واستدلال في تحقيق النسبة ولا في دفع الشبهة ، وما يورد من الشكوك لا يورث قدحا(٦) في ذلك الجزم ، ولا يمكن دفعه بالنسبة إلى من لا يعترف بالبديهيات ، فإن شئنا أعرضنا عنه وإن شئنا نبهناه عسى أن يعترف أو يحصل له استعداد النظر واستحقاق المباحثة ، فمن الشبه أن هذا التصديق يتوقف على تصور الوجود والعدم وتميزهما (٧) ، وهذا يقتضي الثبوت ولو في الذهن ، وثبوت العدم المطلق تناقض (٨) ثم لا بد من إمكان سلب العدم المطلق ليتحقق (٩) الوجود في الجملة فيكون هذا السلب قسما من العدم
__________________
(١) في (ب) حقيقة.
(٢) الدور : في اللغة : عود الشيء إلى ما كان عليه. والدور في المنطق علاقة بين حدين يمكن تعريف كل منهما بالآخر ، أو علاقة بين قضيتين يمكن استنتاج كل منهما من الأخرى ، أو علاقة بين شرطين يتوقف ثبوت أحدهما على ثبوت الآخر. فالدور إذن هو توقف كل واحد من الشيئين على الآخر وينقسم إلى دور علمي. ودور إضافي ، أو معنى. ودور مساو.
(٣) في (ب) تقدم.
(٤) (ب) منه.
(٥) في (ب) يحقيقتها بدون الواو.
(٦) في (ب) (قد جاء) وهو تحريف.
(٧) في (أ) وغيرهما.
(٨) في (أ) مناقض.
(٩) في (ب) لتحقق.