المبحث الخامس
في أول الواجبات
(قال : المبحث الخامس : اختلفوا في أول الواجبات فقيل : معرفة الله تعالى (١) لأنها الأصل ، وقيل : النظر فيها أو القصد إليه لتوقفها عليه ، (٢) والحق أنه إن قيد الواجب بما يكون مقصودا في نفسه فالأول. وإلا فالثاني. وأما المعرفة فليس بمقدور ، إذ الوجوب مقيد به واستدامته ليست بمقدمة.
وقيل : الشك (٣) لأن النظر بعده ، ورد بأنه ليس بمقدور لكونه من الكيف كالعلم ولا مقدمة لتأتي النظر عند الظن والوهم ، وإن أريد به ما يتناولهما وجعل مقدورا بمعنى إمكان تحصيله فوجوب النظر مقيد به ، إذ لا نظر عند الجزم والواجب على المقلد أو الجاهل جهلا مركبا هو النظر في وجه الدلالة ، ليقوده إلى العلم).
ما يجب على المكلف ، فقال الشيخ (٤) : هو معرفة الله تعالى لكونها مبنى الواجبات وقال الأستاذ : هو النظر في معرفة الله تعالى لما مر من كونه المقدمة.
__________________
(١) هذا الرأي يقول به الشيخ أبو الحسن الأشعرى رضي الله عنه ، ويوافقه على ذلك جماعة من العلماء ، وإنما كانت أول واجب عنده لأن مبنى جميع الواجبات عليه.
(٢) قال الأستاذ : أول واجب النظر ، وقال أبو بكر الباقلاني والإمام الرازي : أول واجب القصد إلى النظر.
(٣) وأما القول بأن أول واجب عدم المعرفة لتوقف النظر على عدمها فلا يصح ، لأن عدم المعرفة جهل بسيط ، يحصل قبل القدرة والإرادة المسبوقين بالعلم المسبوق بنفيه.
(٤) القائل أبو هاشم الجبائي أحد زعماء المعتزلة.