بفن من العلوم ، كالنجوم والطب والطبيعة والسحر والطلسمات مثلا من نفس علمه برهان النبوة.
وأما من أثبت النبوة بلسانه وسوى أوضاع الشرع على الحكمة ، فهو على التحقيق كافر بالنبوة ، مؤمن بحكم له طابع مخصوص ، يقتضي طابعه أن يكون متبوعا ؛ وليس هذا من النبوة في شيء ، بل الإيمان بالنبوة أن يقر بإثبات طور وراء العقل تنفتح فيه عين يدرك بها مدركات خاصة والعقل معزول عنها ، كعزل السمع عن إدراك الألوان ، والبصر عن إدراك الأصوات ، وجميع الحواس عن إدراك المعقولات ؛ فإن لم يجوز هذا ، فقد أقمنا البرهان على إمكانه بل على وجوده ، وإن جوز هذا ، فقد أثبت أن هاهنا أمورا تسمى خواص لا يدور تصرف العقل حواليها أصلا ، بل يكاد العقل يكذبها ويقضي باستحالتها ؛ فإن وزن دانق من الأفيون سم قاتل ، لأنه يجمد الدم في العروق لفرط برودته. والذي يدعي علم الطبيعة ، يزعم أن ما يبرد من المركبات إنما يبرد بعنصري الماء والتراب ، فهما العنصران الباردان. ومعلوم أن أرطالا من الماء والتراب لا يبلغ تبريدها في الباطن إلى هذا الحد ، فلو أخبر طبيعي بهذا ولم يجربه لقال : " هذا محال ، والدليل على استحالته أن فيه نارية وهوائية والهوائية والنارية لا تزيد بها برودة ، فنقدر الكل ماء وترابا فلا يوجب هذا الإفراط بالتبريد ، فإن انضم إليه حاران فبأن لا يوجب أولى". ويقدر هذا برهانا. وأكثر براهين الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات مبني على هذا الجنس ، فإنهم تصوروا الأمور على قدر ما وجدوه وعقلوه. وما لم يألفوه قدروا استحالته. ولو لم تكن الرؤيا الصادقة مألوفة ، وادعى مدع أنه عند ركود الحواس يعلم الغيب ، لأنكره المتصفون بمثل هذه العقول. ولو قيل لواحد : " هل يجوز أن يكون في الدنيا شيء هو بمقدار حبة يوضع في بلدة ليأكل تلك البلدة بجملتها ثم يأكل نفسه ، فلا يبقي شيئا من البلدة وما فيها ولا يبقى هو في نفسه"؟ لقال : " هذا محال وهو من جملة الخرافات! " وهذه حالة النار ينكرها من لم ير النار إذا سمعها ؛ وأكثر إنكار عجائب الآخرة هو من هذا القبيل. فنقول للطبيعي : " قد اضطررت إلى أن تقول : في الأفيون خاصية في التبريد ليس على قياس المعقول بالطبيعة ، فلم لا يجوز أن يكون في الأوضاع الشرعية من الخواص في مداواة القلوب وتصفيتها ما لا يدرك بالحكمة العقلية ، بل لا يبصر ذلك إلا بعين النبوة؟ " بل قد اعترفوا بخواص هي أعجب من هذا فيما أوردوه في كتبهم ، وهي من الخواص العجيبة المجربة في معالجة الحامل التي عسر عليها الطلق بهذا الشكل :
يكتب على خرقتين لم يصبهما ماء ، وتنظر إليهما الحامل بعينها ، وتضعهما تحت قدميها ، فيسرع الولد في الحال إلى الخروج. وقد أقروا بإمكان ذلك وأوردوه في كتاب" عجائب الخواص" وهو شكل فيه تسعة بيوت يرقم فيها رقوم مخصوصة ، يكون مجموع ما في جدول واحد خمسة عشر ، قرأته في طول الشكل أو في عرضه أو جوانبه.
فيا ليت شعري! من يصدق بذلك ثم لا يتسع عقله للتصديق بأن تقدير صلاة الصبح بركعتين ،