كل جيفة على الأرض ، يلعنه كلّ من يمرّ عليه من الخلق». والميت أيضا يحشر بظلامته ، وفي الصحيح أن المقتول في سبيل الله يأتي يوم القيامة وجرحه يشخب دما. اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ، حتى يقف بين يدي الله عزوجل. فإذا ساقتهم الملائكة زمرا وأفواجا تحت كل واحد ما قدر له ، وجمعوا في صعيد واحد من إنس وجن وشيطان ووحش وسبع وطير ، تحولهم الملائكة إلى الأرض الثانية وهي أرض بيضاء من فضة نورية ، وصارت الملائكة من وراء العالمين حلقة واحدة فإذا هم أكثر من أهل الأرض بعشر مرات. ثم إن الله سبحانه وتعالى يأمر ملائكة السماء الثانية فيحدثون حلقة واحدة فإذا هم مثلهم عشرين مرة. ثم تنزل ملائكة السماء الرابعة فيحدقون بالكل حلقة واحدة فإذا هم مثلهم ثلاثين ضعفا. ثم تنزل ملائكة السماء الرابعة فيحدقون من وراء الكل فتكون حلقة واحدة أكثر منهم بأربعين ضعفا. ثم تنزل ملائكة السماء الخامسة فيحدقون من ورائهم حلقة واحدة فيكونون مثلهم خمسين مرة. ثم تنزل ملائكة السماء السادسة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة وهم مثلهم ستين مرة. ثم تنزل ملائكة السماء السابعة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة وهم مثلهم سبعين مرة. والخلق تتداخل ويندرج بعضهم في بعض حتى يعلو القدم ألف قدم لشدة الزحام ، ويخوض الناس في العرق على أنواع مختلفة إلى الآذان وإلى الصدر وإلى الحلقوم وإلى المنكبين وإلى الركبتين ، ومنهم من يصيبه الرشح اليسير كالقاعد في الحمام ، ومنهم من يصيبه البلل كالعطش إذا شرب الماء. وأصحاب الرأي هم أصحاب الكراسي ، وأصحاب الكعبين قوم يموتون غرقى ، والملائكة تناديهم (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) [الأعراف : ٤٩]. وحدثني بعض العارفين أنهم الأوابون كالفضيل بن عياض وغيره إذ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : " التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له" فإن دليل ذلك قول مطلق.
وهذه الأصناف الثلاثة : أهل الرأي ، والرشح ، وأهل الكعب ، هم الذين تبيض وجوههم ومن دونهم تسود وجوههم. وكيف لا يكون القلق والعرق والأرق وقد قربت الشمس من رءوسهم حتى لو أن أحدا مد يده يضاعف حرها سبعين مرة! وقال بعض السلف : لو طلعت الشمس على الأرض كهيئتها يوم القيامة لأحرقت الأرض ، وأذابت الصخر ، ونشفت الأنهار. فبينما الخلائق يمرحون وهم في تلك الأرض البيضاء التي ذكرها الله تعالى حيث يقول : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم : ٤٨]. وهم على أنواع في المحشر ، وملوك أهل الدنيا كالذر كما روي في الخبر في صفة المتكبر. وليس هم كهيئة الذر عينا ، غير أن الأقدام تطأ عليهم حتى صاروا كالذر في مذلتهم وانخفاضهم.
وقوم يشربون ماء باردا عذبا صافيا ، لأن الصبيان يطوفون على آبائهم بكئوس من أنهار الجنة يسقونهم. وعن بعض السلف الصالحين أنه نام فرأى القيامة قد قامت وكأنه في الموقف عطشان ، ورأى صبيانا صغارا يسقون الناس ، قال فناديتهم : ناولوني شربة ماء! فقال لي واحد