كما قال الجليل جل جلاله : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) [مريم : ٨٥]. وفي غريب الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوما لأصحابه : «كان رجل من بني إسرائيل كثيرا ما يفعل الخير حتّى إنّه ليحشر فيكم. قالوا له : وما كان يصنع؟ قال : ورث من أبيه مالا كثيرا فاشترى بستانا فحبسه للمساكين وقال هذا بستاني عند الله ، وفرّق دنانير عديدة في الضّعفاء وقال بهذا أشتري جارية من الله تعالى وعبيدا ، وأعتق رقابا كثيرة وقال هؤلاء خدمي عند الله ، والتفت ذات يوم إلى رجل ضرير البصر فرآه تارة يمشي وتارة يكبو فابتاع له مطيّة يسير عليها وقال هذه مطيّتي عند الله تعالى أركبها. والّذي نفسي بيده لكأنّني أنظر إليها وقد جيء بها مسرجة ملجمة لأركبها في الموقف». وقيل في تفسير قوله تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك : ٢٢]. أنه مثل ضربه الله ليوم القيامة في حشر المؤمنين والكافرين ، كما قال الله تعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) [مريم : ٨٦]. أي مشاة على وجوههم ، هذا قول بعض المفسرين ، وليس الأمر كما حكاه ، وإنما السر في ذلك أنه تارة يمشي وتارة يكبو على وجهه ، والذي تأوله بعيد ، لأن الله تعالى ذكر الأرجل فقال تعالى (وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤]. وقوله (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) [الإسراء : ٩٧]. تفسير غير المقصد الذي أرادوه ، وترك الإشارة التي نبأك عليها ، فقد رأيت العرب يتمثلون بها ويقولون : هذا يمشي على وجهه ، إذا كان يكبو ، ومعناه : عميا عن النور الذي يشعشع بين أيدي المؤمنين وعن أيمانهم ، وليس العمى الكلي إرادتهم ، لأنه لا خلاف أنهم ينظرون السماء تنشق بالغمام ، والملائكة تنزل ، والجبال تسير ، والكواكب تنثر. وكل أهوال يوم القيامة تفسير قوله تعالى (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) [الطور : ٢٥]. فمعنى العمى في القيامة الخوض في الظلمة والمنع عن النظر إلى الكريم ، إذ نور الله سبحانه وتعالى تشرق به الأرض البيضاء ، وهم قد ضرب على أبصارهم غشاوة لا ينظرون إلى شيء من ذلك. كذلك ضرب على آذانهم فلا يسمعون كلام الله تعالى والملائكة الذين ينادون (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) [الأعراف : ٤٩]. (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) [الزخرف : ٧٠]. وكذلك منعوا من الكلام كأنهم بكم ، يفسره قوله تعالى (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ، ٣٦]. والممنوع من الشيء موصوف بالضعف عن قدرته وإن كانت الصفة فيه موجودة كأنها معدومة الوجود في حال دون حال.
ومن الناس من يحشر بفتنته الدنيوية ، فقوم مفتونون بالعود وعاكفون عليه دهرهم ، فعند قيام أحدهم من قبره يأخذه بيمينه فيطرحه من يده ويقول سحقا لك شغلتني عن ذكر الله! فيعود إليه ويقول أنا صاحبك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. وكذلك يبعث السكران سكرانا والزامر زامرا وكل أحد على الحال الذي صده عن سبيل الله ، ومثله الحديث الذي روي في الصحيح «إنّ شارب الخمر يحشر والكوز معلّق في عنقه والقدح بيده ، وهو أنتن من