والله ما سمعوا مقالة صادق |
|
إلا وظنّوا أنّه متزيّد |
هذا الشعر في بحر لزوم ما لا يلزم.
ومن علامة علمك أنهم إذا مرجوا لا تلتفت ، وإذا مزحوا لا تتزلزل ، وإذا كابروك لا تحول. وكابد نفسك عن المزاعقة والمصايحة ، فالكبر مطيب النفس ، فإذا أردت الغاية الكبرى في تهذيبها فاقصرها في بيت أربعين صباحا أو أربعة أشهر ، وهو الأفضل ، وانقطع كأنك ميت ، ولا تبق لك حاجة ، وحصل من الزاد ما وافقك وأعانك كما تحصل طريق مكة ، ثم اركب مطية متابعة الشرع ، ثم سر في فلوات قمع النفس ، وليكن البيت مظلما وزمان الشتاء أولى. ولا تأت بغير الفرائض من الصلوات ، ولا تنم إلا عن غلبة ، وكل ثلثي أكلك بعد الجوع ، ومقداره من اللقم الوسيطة ستة وثلاثون لقمة. وليكن ذكرك لا إله إلا الله الحي القيوم ، فإذا كلّ اللسان فقل بقلبك ولا تخف من الواردات عليك فقد يجيئك صورة قبيحة ، وخيالات قاطعة ، وجن وشياطين وملائكة ومعلمون ، فواحد يقول أعلمك الكيمياء ، وآخر يمنيك بالكنوز ، وهذا يوعدك ، وهذا يهددك ، فلا تلتفت ، فإنه سيظهر لك مع الصدق وترك التجربة عجائب وفنون ، فعند ذلك تذوب كثائف الحجب عن القلب ، وترفع ستور الغفلة بين قلبك وبين اللوح المحفوظ فتشاهد ما فيه ، وتنقل إلى الخلائق معاينة ، وينكشف لك في اليقظة ما كنت تشاهده في المنام ، فيستنير القلب ، وينشرح الصدر بأنوار الجلال ، وتنخرق الكائنات ، وتنكشف المستورات ، وتظهر الكرامات التي هن أخوات المعجزات ، وبينهما فرق في التحدي والإظهار والاستتار ، بل إذا وصل العبد إلى درجة التمكين صار الكل بحكمه ، ما شاء فعل أو قال : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١] وكل ما تجده في الخلوة تعرفه شيخك ، فالشيخ في قومه كالنبي في أمته ، ومن ليس له شيخ فالشيطان شيخه ، ومن مات بغير شيخ فقد مات ميتة الجاهلية ، فيعلمه ويدله ويعرفه طريق الوصول إلى الله تعالى. وصاحب الخلوة يهب عليه نسيم القرب من دواخل الحجب ، وينكشف له أسرار قلوب المخلوقين ، ويزوره الأبدال ، فتراه فرحا طيب الخلق حسن العشرة ، دعب لعب ، لأن الله يكون قد تجلى بقلبه ، فيسمع كلامه ، ويبلغ منه مرامه ، ويكاشف شموس المشاهدة ، ويعلم المخفيات ، ويطلع على الكائنات. ومن علامات الواصل بالله : حسن الخلق ، وكثرة العلم ، وحلاوة الكلام ، والتواضع ، وصاحب هذا الطريق مع علمه العزيز لا عبوس ، ولا حقود ، ولا متكبر ، ولا ظالم ، ولا متجبر ، ولا أكول ، ولا شروب ، ولا نؤوم ، نفسه ملكوتية ، قوّى جبرائيل همته ، ونفخ إسرافيل سعادته في صور همته ، فحدا به حادي محبته ، وسار به في بيداء معرفته ، حتى تجلى له بيت الجلال ، فانكشف منه خاصية يمشي بها على الماء والهواء ويطوي له بها البعيد. فاقربوا من هذا الرجل تكتسبون من قربه وفيض خاصيته ما اكتسبه الهلال من قرب الشمس. وربما ينتقل أحوال الأبدال إلى التلاميذ والمريدين كما انتقلت النبوة من موسى إلى يوشع بن نون.