أيها الولد : إني
أنصحك بثمانية أشياء اقبلها مني لئلا يكون علمك خصما عليك يوم القيامة ، تعمل منها
أربعة ، وتدع منها أربعة أما اللواتي تدع :
أحدها : أن لا
تناظر أحدا في مسألة ما استطعت لأن فيها آيات كثيرة فإثمها أكبر من نفعها ، إذ هي
منبع كل خلق ذميم كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرها ، نعم
لو وقع مسألة بينك وبين شخص أو قوم وكانت إرادتك فيها أن تظهر الحق ولا يضيع جاز
البحث لكن لتلك الإرادة علامتان : إحداهما : أن لا تفرق بين أن ينكشف الحق على
لسانك أو على لسان غيرك ، والثانية : أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك من أن يكون
في الملأ ، واسمع إني أذكر لك هاهنا فائدة. واعلم أن السؤال عن المشكلات عرض مرض
القلب إلى الطبيب والجواب له سعي لإصلاح مرضه. واعلم : أن الجاهلين المرضى قلوبهم
والعلماء الأطباء والعالم الناقص لا يحسن المعالجة والعالم الكامل لا يعالج كل
مريض بل يعالج من يرجو فيه قبول المعالجة والصلاح. وإذا كانت العلّة مزمنة أو
عقيما لا تقبل العلاج فحذاقة الطبيب فيه أن يقول هذا لا يقبل العلاج فلا تشتغل فيه
بمداواته لأن فيه تضييع العمر ، ثم اعلم ، أن مرض الجهل على أربعة أنواع :
أحدها : يقبل
العلاج والباقي لا يقبل أما الذي لا يقبل" أحدها" من كان سؤاله واعتراضه
عن حسده وبغضه فكلما تجيبه بأحسن الجواب وأفصحه وأوضحه فلا يزيد له ذلك إلا بغضا
وعداوة وحسدا ، فالطريق أن لا تشغل بجوابه فقد قيل :
كلّ العداوة قد
ترجى إزالتها
|
|
إلّا عداوة من
عاداك عن حسد
|
فينبغي أن تعرض
عنه وتتركه مع مرضه ، قال الله تعالى : (فَأَعْرِضْ
عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) [النجم : ٢٩].
والحسود بكل ما يقول ويفعل أوقد النار في زرع علمه ، الحسد يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب.
والثاني : أن تكون
علته من الحماقة وهو أيضا لا يقبل العلاج ، كما قال عيسى عليهالسلام : إني ما عجزت عن إحياء الموتى وقد عجزت عن معالجة الأحمق
، وذلك رجل يشتغل بطلب العلم زمنا قليلا ويتعلم شيئا من العلم العقلي والشرعي
فيسأل ويعترض من حماقته على العالم الكبير الذي مضى عمره في العلوم العقلية
والشرعية ، وهذا الأحمق لم يعلم ويظن أن ما أشكل عليه هو أيضا مشكل للعالم الكبير
، فإذا لم يعلم هذا القدر يكون سؤاله من الحماقة ، فينبغي أن لا يشتغل بجوابه.
والثالث : أن يكون
مسترشدا وكل ما لا يفهم من كلام الأكابر يحمل على قصور فهمه وكان سؤاله للاستفادة
لكن يكون بليدا لا يدرك الحقائق فلا ينبغي الاشتغال بجوابه أيضا ، كما قال رسول
اللهصلىاللهعليهوسلم : " نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم النّاس على
قدر عقولهم". وأما المرض الذي يقبل العلاج فهو أن يكون مسترشدا عاقلا فهما لا
يكون مغلوب الحسد والغضب وحبّ