ورابعها : أنه قد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير جائز لأن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق ، وأما الممدوح فيضره بالمدح من وجهين :
أحدهما : أنه يحدث فيه كبرا وعجبا وهما مهلكان.
والثاني : أنه إذا أثنى عليه بالخير فرح به وفتر ورضي عن نفسه وقل تشمره لأمر آخرته. ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قطعت عنق صاحبك» فإن سلم المدح عن هذه الآفات لم يكن به بأس ، بل ربما كان مندوبا إليه. ولذلك أثنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين حتى قال : «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح». وقال : «لو لم أبعث لبعثت يا عمر». وأي ثناء يزيد على هذا ولكنه عن صدق وبصيرة وكانا أجل رتبة من أن يورثهما ذلك كبرا وإعجابا ، بل مدح الإنسان قبيح لما فيه من الكبر والتفاخر إلا أن يكون مما لم يورثه ذلك كبرا وإعجابا. كما قال صلىاللهعليهوسلم : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر». أي لست أقوله تفاخرا كما يقوله الناس بالثناء على أنفسهم وذلك أن افتخاره صلىاللهعليهوسلم إنما كان بالله تعالى وبقربه لا بكونه مقدما على غيره من ولد آدم عليه الصلاة والسلام. وأما الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى الكلام : فهو مثل أن يقول : مطرنا بنوء كذا وكذا ، أو يقول للعنب كرما أو نحو ذلك مما نهي عنه من الألفاظ. وأما سؤال العوام عما لا يبلغه فهمهم من صفات الله تعالى فهو مثل أن يسأل عن بعض صفات الله تعالى أو عن كلامه أو عن الحروف هل هي حادثة أو قديمة فكل ذلك مذموم سؤالهم عنه لعدم فهمهم عنه لئلا يلتبس عليهم الحق بالباطل والله تعالى أعلم.
الباب التاسع عشر
في بيان البطن وحفظه
في البطن وحفظه ، لأنه المعدن ومنه تهيج الأمور في الأعضاء من خير وشر ، فعليك بصيانته عن الحرام. وكذا عن الشبهة ثم عن فضول إن كانت لك همة في عبادة الله تعالى. فأما الحرام أو الشبهة : فإنما يلزمك التحفظ عنها لثلاثة أمور :
الأول : حذرا من نار جهنم.
والثاني : أن آكل الحرام والشبهة مطرود لا يوفق للعبادة إذ لا يصلح لخدمة الله تعالى إلا كل قلب طاهر. قلت : أليس قد منع الله تعالى الجنب من دخول بيته والمحدث من مس كتابه مع أنهما أثر مباح؟ فكيف بمن هو منغمس في قذر الحرام والشبهة متى يدعى إلى خدمة الله تعالى وذكره الشريف (كلا فلا يكون ذلك).
والثالث : أن آكل الحرام والشبهة محروم ، وإن اتفق له فعل خير فهو مردود عليه وليس له منه إلا العناء والكد.