وقبلها سمعا ونقلا ، ولا بشيء مما قرره من أمور الشرع وأداه عن ربه عزوجل من الوحي قطعا عقلا وشرعا. وكذا عصمته من الكذب وخلف القول منذ نبأه الله تعالى وأرسله قصدا أو غير قصد واستحالته عليه عقلا وإجماعا لمناقضته للمعجزة وتنزيهه عنه قبل النبوة قطعا ، وكذا تنزيهه عن الكبائر إجماعا وعن الصغائر وملابسة المكروهات تحقيقا ، بل تنزيه همته الشريفة عن تناول المباحات إلا على قصد تبيين إباحتها والاستعانة بها على طاعة ربه عزوجل ، وكذا عصمته في جميع حالاته من رضى وغضب ، وجد وهزل ، وصحة ومرض ، وكذا استحالة السّهو والنسيان ، والغفلة والغلط عليه في الأخبار والأقوال البلاغية إجماعا لمناقضته المعجزة وجواز السّهو عليه في الأفعال البلاغية بشرط أن لا يقر عليه ، بل ينبه عليه على الفور لتظهر فائدة النسيان من معرفة الحكم والاتباع له فيما يشرعه ، وفرقوا بين السهو في الأفعال البلاغية والأقوال البلاغية لقيام المعجزة على الصدق في القول ومخالفة ذلك يناقض المعجزة ، وأما السهو في الأفعال : فغير مناقض للمعجزة ولا قادح في النبوة ، نعم بل حالة النسيان هنا في حقه صلىاللهعليهوسلم سبب إفادة علم وتقرير شرع ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إنّي لست أنسى ولكني أنسى لأسنّ». وهذه الحالة بعيدة عن سمات النقص ، بل هي زيادة في التبليغ وتمام عليه في النعمة. وأما ما ليس طريقه البلاغ ولا بيان الأحكام من أفعاله صلىاللهعليهوسلم وما يختص من أمور دينه وأذكار قلبه ، فالذي ذهب إليه جماعة الصوفية وأصحاب علم القلوب استحالة السهو والنسيان والغفلات والفترات عليه فيه جملة. وأجاز ذلك الأكثر من طبقات علماء الأمة وذلك بما كلفه من سياسة الأمة ومقاساة الخلق ومعاناة الأهل وملاحظة الأعداء ، ولكن ليس على سبيل التكرار ولا الاتصال ، بل على سبيل الندور وليس في هذا شيء يحط من مرتبته أو يناقض معجزته صلىاللهعليهوسلم.
واعلم : أنه يجوز طريان الآلام والأوجاع على ظاهر جسم النبي صلىاللهعليهوسلم ليتحقق بشريته ، ولكن لا يصل شيء من ذلك إلى باطنه صلىاللهعليهوسلم لتعلقه بمشاهدة ربّه عزوجل والأنس به ، ثم اعلم أن المصير في جميع ما ذكرنا في حق جميع الأنبياء والملائكة كالمصير في حق نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وعليهم أجمعين.
فصل في بيان ما يجب على النبي صلىاللهعليهوسلم وما
يحرم عليه
وما يباح له وما خص به من الفضائل دون غيره
فأمّا ما يجب عليه فهو التهجد والوتر والضّحى والأضحية والمشاورة وتخيير الزوجات والسواك ومصابرة العدو وإن كثروا وتغيير المنكر.
وأما ما يحرم عليه دون غيره : فهو الخط والشعر والصّدقة والزّكاة ومد عينيه إلى ما متع به غيره ، والمخادعة في الحرب ، ومسك الزوجة المكارهة وفي طلاق الراغبة ، وأكل الكراث والثوم والبصل ، والأكل متكئا وفيه خلاف ، والأصح الكراهية لا التحريم ، ونكاح الحرة