أنها ليست زائدة على مفهوم الذات. وقال غيرهم من السادة : اعلم أن الأسماء والصفات نسب وإضافات ترجع إلى عين واحدة إذ لا كثرة هناك بوجود أعيان زائدة على الذات المقدسة ، كما زعم من لا علم له بالله تعالى من بعض النظار. فلو كانت أعيانا زائدة وما هو إله إلا بها لكان معلولا لها فلا يخلو أن تكون هي عينه. فالشيء لا يكون معلولا لنفسه. أو لا تكون فالإله لا يكون معلولا لعلة ليست عينه ، لأن ذلك يقتضي افتقاره وافتقار الإله محال فكون الأسماء والصفات أعيانا زائدة محال ، فافهم جيدا والحمد لله وحده.
الباب الخامس عشر
في بيان حقيقة الإخلاص والرياء وحكمهما وتأثيرهما
اعلم : أن الإخلاص عند علمائنا إخلاصان : إخلاص العمل وإخلاص طلب الأجر.
فأما إخلاص العمل : فهو إرادة التقرب إلى الله تعالى وتعظيم أمره وإجابة دعوته والباعث عليه الاعتقاد الصحيح وضد هذا الإخلاص النفاق. وهو التقرب إلى من دون الله تعالى. وأما إخلاص طلب الأجر : فهو إرادة نفع الآخرة بعمل الخير وضد هذا الإخلاص : الرياء وهو إرادة نفع الدنيا بعمل الآخرة سواء أراده من الله تعالى أو من الناس ، لأن الاعتبار في الرياء بالمراد لا بالمراد منه ، وأما تأثيرهما : فهو أن إخلاص العمل يجعل الفعل قربة وإخلاص طلب الأجر يجعله مقبولا وافر الأجر.
وأما النفاق : فإنه يحبط العمل ويخرجه عن كونه قربة والرياء يوجب رده ، وأما موضع الإخلاص وفي أي طاعة يقع ويجب ، فاعلم أن الأعمال عند بعض العلماء ثلاثة أقسام : قسم يقع فيه إخلاصان جميعا وهو العبادة الظاهرة الأصلية ، وقسم لا يقع فيه إخلاص طلب الأجر دون إخلاص العمل وهو المباحات المأخوذة للعدة. وقال شيخنا : إن كل عمل يحتمل الصرف إلى غير الله تعالى من العبادات الأصلية يقع فيه إخلاص العمل والعبادات الباطنة أكثرها يقع فيها إخلاص العمل. وأما الإخلاص في طلب الأجر : فكان شيخنا يقول : إذا أراد العامل من الله تعالى بالعبادات الباطنة نفع الدنيا فهو أيضا رياء. قلت : فلا يبعد إذا أن يقع في كثير من العبادات الباطنة الإخلاصان ، وكذلك النوافل. يجب عليها الإخلاصان جميعا عند الشروع فيها. وأما المباحات المأخوذة للعدة : فإنه يقع إخلاص طلب الأجر دون إخلاص العمل إذ هي لا تصلح بنفسها أن تكون قربة ، بل هي عدة على القربة وهذا مواضعها ، وأما وقتها : فهو أن إخلاص العمل يكون مع الفعل يقارنه لا محالة ويتأخر عنه ، وإخلاص طلب الأجر ربما يتأخر عنه. وعند بعض العلماء ربما يعتبر فيه وقت الفراغ من العمل ، فإذا فرغ العمل على إخلاص ورياء فقد انقضى الأمر ولا يمكن استدراكه بعد ، والله أعلم.