لنور العين فتدرك بذلك الجليات والخفيات. وأما الحياة : فهي نفس التوحيد. قال الله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [الأنعام : ١٢٢] وأما اليقين : فاعلم أن الاعتقاد والعلم إذا استوليا على القلب ولم يكن لهما معارض أثمرا في القلب المعرفة ، فسميت هذه المعرفة يقينا ، لأن حقيقة اليقين صفاء العلم المكتسب حتى يصير كالعلم الضروري ويصير القلب مشاهدا لجميع ما أخبر عنه الشرع من أمر الدنيا والآخرة. يقال : أيقن الماء إذا صفا من كدورته.
وأما الإلهام : فهو حصول هذه المعرفة بغير سبب ولا اكتساب ، بل بإلهام من الله تعالى بعد طهارة القلب عن استحسان ما في الكونين.
وأما الفراسة : فهي التوسم بعلامة من الله تعالى بينه وبين العبد يستدل بها على أحكام باطنة ، وذلك لا يكون إلا في درجة التقريب وهو دون الإلهام ، لأن الإلهام لا يفتقر إلى علامة والفراسة تفتقر الى علامة وهو عام وخاص ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب السادس
في بيان معنى النفس والروح والقلب والعقل
اعلم أن هذه الأسامي الأربعة مشتركة بين مسميات مختلفة ونحن نشرح من معانيها ما يتعلق بغرضنا.
الأول : لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين :
أحدهما : اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر وفي باطنه تجويف فيه دم أسود وهو منبع الروح الحيواني ومعدنه.
والمعنى الثاني : هي لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات ، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان المدرك العالم المخاطب المطالب المثاب المعاقب.
اللفظ الثاني : الروح وهو أيضا يتعلق بغرضنا لمعنيين :
أحدهما : جسم لطيف بخاري حامله دم أسود منبعه تجويف القلب الجسماني ، وينشر بواسطة العروق الضوارب الى سائر أجزاء البدن وجريانها في البدن وفيضان أنوار الحياة ، والحس والبصر والسمع والشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج في زوايا البيت. فالحياة : مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثاله السراج ، وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحرك محركه فالأطباء إذا أطلقوا لفظ الروح أرادوا به هذا المعنى وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب.
والمعنى الثاني : هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الذي هو أحد معيني القلب وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] وهو