ويكره المعاصي وإن وقعت ، لأن إرادتها نقصان. وقول الأشعري : لو أراد ما لا يقع لكان ذلك نصا في إرادته لكلالها عن النفوذ فيما تعلقت به ولو كره المعاصي مع وقوعها لكان ذلك كلالا في كراهته. وكذلك نقصان.
المثال الخامس : إيجاب المعتزلي على الله تعالى رعاية الأصلح لعباده لما في تركه من النقصان. وقول الأشعري : لا يلزمه ذلك ، لأن الإلزام نقصان وكمال الإله أن لا يكون في قيد المتألهين. وبالله التوفيق.
فصل
اعلم : أن من نسب المشيئة ، والكسب الى نفسه فهو قدري ، ومن نفاهما عن نفسه فهو جبري. ومن نسب المشيئة الى الله تعالى والكسب الى العبد فهو سني صوفي رشيد ، فقدرة العبد وحركته خلق للرب تعالى وهما وصف للعبد وكسب له ، والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر والقضاء هو الخلق ، والفرق بين القضاء والقدر هو أن القدر أعم والقضاء أخص ، فتدبير الأوليات قدر وسوق تلك الأقدار بمقاديرها وهيئاتها الى مقتضياتها هو القضاء ، فالقدر إذا تقدير الأمر بدءا والقضاء فصله وقطع ذلك الأمر كما يقال قضى القاضي.
فصل في الأهواء
اعلم : أن أهل الأهواء المختلفة ست فرق ، وكل اثنين منها ضدان وهي : التشبيه والتعطيل ، والجبر والقدر ، والرفض والنصب ، وكل واحدة منها تفترق الى اثنتي عشرة فرقة ، فالتشبيه والتعطيل ضدان ، والجبر والقدر ضدان ، والرفض والنصب ضدان ، وكل من هؤلاء منحرفون عن الصراط المستقيم ، والفرقة الناجية الوسط وهم أهل السنة والجماعة. فأما الفرقة المشبهة فإنهم بالغوا وغلوا في إثبات الصفات حتى شبهوا وجوزوا الانتقال والحلول والاستقرار والجلوس وما أشبه ذلك ، وأما الفرقة المعطلة : فإنهم بالغوا وغلوا وبالغوا في نفي التشبيه حتى وقعوا في التعطيل ، وأما أهل السنة والجماعة : فإنهم سلكوا الطريق الوسط وأثبتوا صفات الله كما وردت من غير تشبيه ولا تعطيل ، فعلمت بذلك سبيل الشيطان ما عليه المشبهة والمعطلة ، وأما الجبرية والقدرية : فكل منهم بعيد عن الصراط المستقيم ، فمن نفى المشيئة والكسب عن نفسه فهو جبري ، ومن نسبهما الى نفسه فهو قدري ، ومن نسب المشيئة الى الله تعالى والكسب الى العبد فهو سني ، وأما الرافضة والناصبة : فكل منهما بعيد عن الصراط. فالرافضي : ادعى محبة أهل البيت وبالغ في سب الصحابة وبغضهم ، والناصبي : بالغ في التعصب من جهة الصحابة حتى وقع في عداوة أهل البيت ونسب عليا رضي الله عنه الى الظلم والكفر ، وأما أهل السنة : فإنهم سلكوا الطريق الوسط فأحبوا أهل البيت وأحبوا الصحابة وحفظ الله تعالى ألسنتهم من الوقيعة في أحد منهم إلا بالحمد والثناء عليهم فلله الحمد والمنة والشكر.