الباب الرابع
في بيان معنى الوصول والوصال
اعلم : أن الوصول هو أن ينكشف للعبد حلية الحق ويصير مستغرقا به ، فإن نظر إلى معرفته فلا يعرف إلّا الله وإن نظر الى همته فلا همة له سواه. فيكون كله مشغولا بكله مشاهدة وهما ولا يلتفت في ذلك الى نفسه ليعمر ظاهره بالعبادة أو باطنه بتهذيب الأخلاق وكل ذلك طهارة وهي البداية ، وأما النهاية أن ينسلخ من نفسه بالكلية ويتجرد له فيكون كأنه هو وذلك هو الوصول ، فافهم جدا. ومعنى الوصال هو الرؤية والمشاهدة بسر القلب في الدنيا وبعين الرأس في الآخرة ، فليس معنى الوصال اتصال الذات بالذات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. قال بعضهم :
وإنّ طرفي موصول برؤيته |
|
وإن تباعد عن مثواي مثواه |
اعلم : أن مباني طريق الصوفية على أربعة أشياء وهي : اجتهاد ، وسلوك ، وسير ، وطير. فالاجتهاد : التحقق بحقائق الإسلام. والسلوك : التحقق بحقائق الإيمان. والسير : التحقق بحقائق الإحسان. والطير : الجذبة بطريق الجود والإحسان الى معرفة الملك المنان ، منزلة الاجتهاد من السلوك منزلة الاستنجاء من الوضوء ، فمن لا استنجاء له لا وضوء له. فهكذا من لا اجتهاد له لا سلوك له. ومنزل السلوك من السير منزلة الوضوء من الصلاة ، فمن لا وضوء له لا صلاة له. فكذا من لا سلوك له لا سير له. وبعده الطير وهو الوصول والله تعالى أعلم. فهذه طريق السالكين ومنازل السائرين ، وبعد ذلك طريق الوصول ومنازل الواصلين وهو الطير. والله أعلم.
فصل في الاتصال
قال الثوري : الاتصال مكاشفات القلوب ومشاهدات الأسرار في مقام الذهول.
اعلم : أن الاتصال والمواصلة فيما أشار إليه الشيوخ وكل من وصل إلى صفو اليقين بطريق الذوق والوجد فهو رتبة من الوصول. ثم يتفاوتون فمنهم من يجد الله بطريق الأفعال وهو رتبة في التجلي فيفنى فعله وفعل غيره لوقوفه مع الله تعالى ويخرج في هذه الحالة من التدبير والاختيار. وهذه رتبة في الوصول. ومنهم من يوقف في مقام الهيبة والأنس بما يكاشف قلبه من مطالعة الجلال والجمال ، وهذا تجلي بطريق الصفات وهو رتبة في الوصول. ومنهم من يرقى الى مقام الفناء مستمليا على باطنه أنوار اليقين والمشاهدة مغيبا في شهوده عن وجوده ، وهذا ضرب من تجلي الذات لخواص المقربين ، وهذه رتبة في الوصول وفوق هذا حق اليقين ويكون من ذلك في الدنيا للخواص لمح وهو سريان نور المشاهدة في كلية العبد حتى يحظى به روحه وقلبه ونفسه حتى قالبه. وهذا من أعلى رتب الوصول ، وإذا تحققت الحقائق يعلم العبد مع هذه الأحوال الشريفة أنه يعد في أول المنزل. فأين الوصول؟ هيهات منازل طريق الوصول لا تقطع أبد