إخلاص ومخالصة
الإخلاص وخالصته كائنة في المخالصة. فعلى هذا الإخلاص حال الملامتي ، ومخالصة
الإخلاص حال الصوفي ، والخالصة الكائنة في المخالصة ثمرة مخالصة الإخلاص وهو فناء
العبد عن رسومه برؤية قيامه بقيومه ، بل غيبته عن رؤية قيامه وهو الاستغراق في
العين عن الآثار والتخلص عن لوث الاستتار وهو فقد حال الصوفي. والملامتي مقيم في
أوطان إخلاصه غير متطلع الى حقيقة إخلاصه.
وهذا فرق واضح بين
الملامتي والصوفي. فالملامتي وإن كان متمسكا بعروة الإخلاص مستفرشا بساط الصدق.
ولكن عليه بقية رؤية الخلق وما أحسنها من بقية تحقق الإخلاص والصدق. والصوفي صفاء
من هذه البقية في طرفي العمل والترك للخلق وعزلهم بالكلية وراءهم بعين الفناء
والزوال ، ولاح له ناصية التوحيد وعاين سر (كُلُّ
شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] كما
قال بعضهم في بعض غلباته : ليس في الدارين غير الله. وقد يكون إخفاء الملامتي
الحال على وجهين : أحد الوجهين لتحقيق الإخلاص والصدق ، والوجه الآخر ، وهو الأتم
لستر الحال عن غيره بنوع غيره ، فإنه من خلا بمحبوبه يكره اطلاع الغير عليه ، بل
يبلغ في صدق المحبة أن يكره اطلاع أحد على حبه لمحبوبه ، وهذا وإن علا ففي طريق
الصوفي علة ونقص. فعلى هذا يتقدم الملامتي على المتصوف ويتأخر عن الصوفي. وقيل :
من أصول أهل الملامة أن الذكر على أربعة أقسام : ذكر باللسان ، وذكر بالقلب ، وذكر
بالسر ، وذكر بالروح. فإذا صح ذكر الروح سكت السر والقلب واللسان عن الذكر وذلك
ذكر المشاهدة ، وإذا صح ذكر السر سكت القلب واللسان عن الذكر وذلك ذكر الهيبة ، وإذا
صح ذكر القلب فتر اللسان عن الذكر وذلك ذكر الآلاء والنعماء ، وإذا غفل القلب عن
الذكر أقبل اللسان على الذكر. وذلك ذكر العادة.
ولكل واحد من هذه
الأذكار عندهم آفة ، فآفة ذكر الروح اطلاع السر عليه وآفة ذكر السر اطلاع القلب
عليه ، وآفة ذكر القلب اطلاع النفس عليه ، وآفة ذكر النفس رؤية ذلك وتعظيمه وطلب
ثواب أو ظن أنه يصل الى شيء من المقامات به.
وأقل الناس قيمة
عندهم من يريد إظهاره وإقبال الخلق عليه بذلك. وسر هذا الأصل الذي بنوا عليه أن
ذكر الروح ذكر اللذات ، وذكر السر ذكر الصفات بزعمهم ، وذكر القلب من الآلاء والنعماء
ذكر أثر الصفات ، وذكر النفس متعرض للعلات ، فمعنى قولهم : اطلاع السر على الروح
يشيرون الى التحقيق بالفناء عند ذكر الذات ، وذكر الهيبة في ذلك الوقت ذكر الصفات
وهو وجود الهيبة ، ووجود الهيبة يستدعي وجودا أو بقية. وذلك يناقض حال الفناء.
وهكذا ذكر السر وجود هيبة وهو ذكر الصفات مشعر بنصيب القرب ، وذكر القرب الذي هو
ذكر الآلاء والنعماء مشعر ببعد ما لا به اشتغال بذكر النعمة وذهول عن المنعم ،
والاشتغال برؤية العطاء عن رؤية المعطي ضرب من بعد المنزلة واطلاع النفس نظرا الى
الأغراض اعتداد بوجود العمل ، وذلك عين الاعتلال حقيقة ، وهذه أقسام هذه الطائفة
وبعضها أعلى من بعض. والله أعلم.