[الفرق بين الدعاء
، والعبادة]
هو أنّه لا ريب في
أنّ مطلق الدعاء للغير ليس عبادة له ولا مطلق الاستغاثة والاستعانة به عبوديّة له
؛ ضرورة افتقار العباد في حاجاتهم ونيل أمورهم في عاديّاتهم ، بل وفي عباديّاتهم ،
كما أمر الله تعالى بالتعاون على البرّ والتقوى.
وكذا لا شبهة في
أنّ مطلق الخضوع والانقياد وخفض الجناح لغيره تعالى ، ليس بعبادة له ، ومنافية
لتوحيد الله والإخلاص له تعالى.
فلو كان مطلق
التعاون والاستعانات والاستغاثات والتوسّلات شِركاً ، لكان الوهابيّون بذلك أوّل
المشركين. ولو كان مطلق الخضوع والانقياد والخفض للغير شركاً في عبادة الله ، لما
أمر الله تعالى به ، ولكان الأمر بالسجدة في قوله تعالى لملائكته : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) أمراً بالشرك؟!
وكان لإبليس أن
يعترض عليه سبحانه في ذلك ، فيقول :
يا ربِّ لِمَ
تأمُرني بالسجودِ لِغيرِك ، وهو الشرك المنافي لتوحيدك والإخلاص لك!
ولكان الاستدلال
بذلك أولى من استدلاله بالقياس الفاسد.
ولكان إبليس
بامتناعه هذا من السجدة أوّل الموحّدين ، كما زعمه جمع من الصوفيّة ، وقاله بعضهم
في «فصوص حكمه» ، وتبعه أتباعه في شروحهم عليه ، فالمدار على الحقائق دون الصور!
فلو كان مطلق
الخضوع شركاً وعبادة للغير ، لكان خضوع العبيد للموالي والرعايا للرؤساء والملوك ،
والزوجات للأزواج والتلميذ للمعلّم ، كلّها خضوعاً لغير الله وشركاً به وعبادة
لغيره!
ولم يقل به أحد ،
ومعه لا يقوم حجر على حجر.
ولو كان ذلك
شِرْكاً في عبادته ، لكان تقبيل الحجر الأسود واستلامه عبادته!
ولكان مسّ الأركان
والتبرّك بها عبادتها!