وقال العلّامة في «البحار» في ما حكاه عن النووي في «شرح صحيح مسلم» (١) : إنّه قال : قال القاضي عياض : مذهب أهل السُّنّة جواز الشفاعة عقلاً.
ووجوبها سمعاً بصريح الآيات وبخبر الصادق عليهالسلام ، وجاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف ومن بعدهم من أهل السُّنّة عليها.
ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها ، وتعلّقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار ، واحتجّوا بقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) وأمثاله ، وهي في الكفّار.
وأمّا تأويلهم أحاديث الشفاعة وغيرها فهي صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار. انتهى.
[العقل يدل على صحّة الشفاعة]
وأمّا العقل فقد قالت الفلاسفة في هذا المقام : إنّ واجب الوجود عامّ الفيض تامّ الجود ، فحيث لا تحصل الشفاعة فإنّما هو لعدم كون القابل مستعدّاً ، ومن الجائز أن لا يكون مستعداً لقبول ذلك الفيض من شيء قبله عن واجب الوجود ، فيكون ذلك الشيء كالمتوسّط بين واجب الوجود وبين ذلك الشيء الأوّل.
ومثاله في المحسوس أنّ الشمس لا تضيء إلّا للقابل المقابل ، وسقف البيت لما لم يكن مقابلاً لجِرْم الشمس ، فلا جَرَمَ لم يكن فيه استعداد لقبول النور عن الشمس ، إلّا أنّه إذا وضع طشت مملوّ من الماء الصافي ، ووقع عليه ضوء الشمس ، انعكس ذلك الضوء من ذلك الماء إلى السقف ، فيكون ذلك الماء الصافي متوسّطاً في وصول
__________________
(١) شرح صحيح مسلم ، للنووي ٣ / ٣٥ باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحّدين من النار.