فكانت بعد ذلك تلتقط البعر وتقول : أنا الشّقيّة ، اخترت الدنيا.
قال أبو عمر : هذا عندنا غير صحيح ، لأن ابن شهاب يروي عن أبي سلمة وعروة عن عائشة ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين خيّر أزواجه بدأ بها ، فاختارت الله ورسوله ، قال : وتتابع أزواج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كلهن على ذلك.
وقال قتادة ، وعكرمة : كان عنده حين خيرهن تسع نسوة ، وهن اللاتي توفّي عنهن ، وكذا قال جماعة : إن التي كانت تقول أنا الشقية هي التي استعاذت ، واختلف في المستعيذة اختلافا كثيرا ، ولا يصحّ فيها شيء ، وقد قيل : إن الضحاك بن سفيان عرض عليه ابنته فاطمة ، وقال : إنها لم تصدع قط ، فقال : «لا حاجة لي بها» ، وقد قيل : إنه تزوّجها سنة ثمان. انتهى كلام ابن عبد البرّ.
ويحتاج كلامه إلى شرح ، وعليه في بعضه مؤاخذات : أما حديث ابن شهاب بما ذكر فهو في الصحيح.
[لكن آخره : وأبي سائر ... وأما قول قتادة فأخرجه ... وأما قول عكرمة فأخرجه ... وأما قوله : وهن اللاتي توفّي عنهن ، ففيه نظر ، لأن آية التخيير كانت ... وتزوج بعد ذلك ...] (١).
وأما الّذي قال : إن التي كانت تقول أنا الشقية هي المستعيذة فهو قول حكاه الواقديّ ، عن ابن مناح ، قال : استعاذت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا لا يبطل قول ابن إسحاق إن الكلابية اختارت ، وكانت تقول : أنا الشقية ، لأنّ الجمع ممكن.
وأما قوله : اختلف في المستعيذة اختلافا كثيرا فهو حقّ ، فقال ابن سعد : اختلف علينا في الكلابية ، اختلف علينا في اسمها ، فقيل فاطمة بنت الضحاك بن سفيان ، وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد ، وقيل سنا بنت سفيان بن عوف ، ثم قيل هي واحدة اختلف في اسمها ، وقيل ثلاث ، ثم أسند عن الواقديّ عن ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، قال : هي فاطمة بنت الضحاك دخل عليها فاستعاذت منه ، فطلّقها فكانت تلقط البعر ، وتقول : أنا الشقية.
وأسنده بالسند المذكور ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وعلى وآله وسلّم الكلابية ، فلما دخلت عليه فدنا منها قالت : أعوذ بالله منك. فقال : «لقد عذت بعظيم ، الحقي بأهلك».
ومن طريق عبد الواحد بن أبي عون ، عن أم منّاح ـ بتشديد النون وبالمهملة ـ قالت :
__________________
(١) ما بين المعقوفين هكذا في الأصل ، وكذا في هامش ه.
الإصابة/ج٨/م١٨