وهذا مع انقطاعه ضعيف ، وقد وجدت لضباعة هذه خبرا آخر ، ذكره هشام بن الكلبي في الأنساب عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : كانت ضباعة القشيرية تحت هوذة بن علي الحنفي فمات فورثته من ماله ، فخطبها ابن عم لها وخطبها عبد الله بن جدعان ، فرغب أبوها في المال فزوّجها من ابن جدعان ، ولما حملت إليه تبعها ابن عمها فقال : يا ضباعة ، الرجال البخر أحبّ إليك أم الرّجال الذين يطعنون السّور؟ قالت : لا. بل الرّجال الذين يطعنون السّور.
فقدمت على عبد الله بن جدعان ، فأقامت عنده ، ورغب فيها هشام بن المغيرة ، وكان من رجال قريش ، فقال لضباعة : أرضيت لجمالك وهيئتك بهذا الشّيخ اللئيم ، سليه الطّلاق حتى أتزوّجك ، فسألت ابن جدعان الطلاق ـ فقال : بلغني أنّ هشاما قد رغب فيك ، ولست مطلقا حتى تحلفي لي أنك إن تزوجت أن تنحري مائة ناقة سود الحدق بين إساف ونائلة ، وأن تغزلي خيطا يمدّ بين أخشبي مكّة ، وأن تطوفي بالبيت عريانة.
فقالت : دعني انظر في أمري ، فتركها ، فأتاها هشام فأخبرته ، فقال : أمّا نحر مائة ناقة فهو أهون علي من ناقة أنحرها عنك. وأما الغزل فأنا آمر نساء بني المغيرة يغزلن لك ، وأما طوافك بالبيت عريانة فأنا أسأل قريشا أن يخلو لك البيت ساعة ، فسليه الطّلاق ، فسألته فطلّقها وحلفت له.
فتزوّجها هشام ، فولدت له سلمة ، فكان من خيار المسلمين ، ووفى لها هشام بما قال. قال ابن عبّاس : فأخبرني المطّلب بن أبي وداعة السهمي ، وكان لدة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : لما أخلت قريش لضباعة البيت خرجت أنا ومحمد ونحن غلامان ، فاستصغرونا فلم نمنع ، فنظرنا إليها لما جاءت ، فجعلت تخلع ثوبا ثوبا ، وهي تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
فما بدا منه فلا أحلّه |
[الرجز]
حتى نزعت ثيابها ، ثم نشرت شعرها فغطّى بطنها ، وظهرها حتى صار في خلخالها ، فما استبان من جسدها شيء ، وأقبلت تطوف ، وهي تقول هذا الشعر.
فلما مات هشام بن المغيرة ، وأسلمت هي وهاجرت خطبها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ابنها سلمة ، فقال : يا رسول الله ، ما عنك مدفع ، فأستأمرها؟ قال : «نعم». فأتاها ، فقالت : إنا لله! أفي رسول الله تستأمرني؟ أنا أسعى لأن أحشر في أزواجه ، ارجع إليه فقل له : نعم قبل أن يبدو له ، فرجع سلمة فقال له ، فسكت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم