سلمنا عدم الانتقاض ، ولكن لا يخلو : إمّا أن يقولوا : بأنّ التّواتر يفيد العلم الضرورى ، أو النّظرى. فإن كان الأول : فهو محال والا لما خالفناكم فيه (١).
وإن كان الثانى : كما ذهب إليه الكعبى من المعتزلة ؛ فهو محال ؛ لأن العلم النظرى لا يعلمه من ليس من أهل النظر : كالصبيان ، ولا من ترك النظر وهو معلوم عندكم له. ولأن كل نظر فالناظر يجد من نفسه أنه شاك فيه قبل حصوله ، وأنه طالب له. وعاقل ما لا يجد من نفسه أنه طالب لحصول العلم بمكة ، وبغداد ، وإذا بطل القسمان ؛ بطل القول بإفادة العلم.
سلمنا افادة التواتر للعلم ؛ ولكن كل تواتر أو التواتر المحتف بالقرائن (٢).
الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم.
ولهذا فإنه قد يحصل العلم ببعض المخبرات بالتواتر لبعض الناس ، ولا يحصل له العلم بخبرهم بغير ذلك المخبر ، وليس إلا التفاوت فى القرائن ؛ فلم قلتم / بوجود مثل هذه القرائن.
سلمنا التساوى فى القرائن ؛ ولكن لا يلزم من حصول العلم به لبعض الناس حصول العلم لغيره ؛ إذ الناس متفاوتون بقرائحهم وذكائهم فى الاطلاع على القرائن الحالية (٣) ، والمقالية.
ولهذا فإنه قد يحصل العلم بخبر التواتر ببعض المخبرات لبعض الناس ولا يحصل العلم به بالنسبة إلى آخر مع تساويهم فى السماع ، واتحاد الخبر وليس ذلك إلا لتفاوتهم فى الإحاطة بالقرائن ، والاطلاع عليها.
سلمنا لزوم حصول العلم به مطلقا ؛ ولكن بالنسبة إلى السامع له لا بالنسبة إلى غير السامع له.
__________________
(١) وقد رد على هذه الشبهة : «المخالفة : إما في أصل العلم أو فى كونه ضروريا ..... وقد بطل كون العلم الحاصل بالتواتر نظريا لما سبق فتعين أن يكون ضروريا» [المصدر السابق].
(٢) وقد أجاب الآمدي عن هاتين الشبهتين : فقال : إذا عرف أنّ ضبط التواتر إنما هو بما حصل به من العلم ، فلا التفات إلى ما قيل ، وبه يندفع ما ذكروه من اختلاف قرائح الناس فى الاطلاع على القرائن».
(٣) وقد أجاب الآمدي عن هاتين الشبهتين : فقال : إذا عرف أنّ ضبط التواتر إنما هو بما حصل به من العلم ، فلا التفات إلى ما قيل ، وبه يندفع ما ذكروه من اختلاف قرائح الناس فى الاطلاع على القرائن».