وأما الأخبار : فمنها ما رواه مالك عن النبي عليه ـ الصلاة والسلام أنه رأى عفريتا من الجنّ يطلبه كشعلة من نار.
ومنها ما اشتهر من قصة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليلة الجن (١) ،
إلى غير ذلك من الأخبار المرويّة الصحيحة
وأما الاجماع : فهو أن الأمّة سلفا ، وخلفا لم يزالوا متطابقين على ذلك وعلى التعوّذ من الشّياطين من عهد الصّحابة ، وإلى زمننا هذا من غير نكير ، ومن أحاط معرفة بعجائب المقدورات وما خلق الله ـ تعالى ـ من السماوات والأرض وما بينهما من العجائب والغرائب وعلم أنّ خلق الجنّ مما ليس بمحال لنفسه. ولا القدرة الأزلية قاصرة عنه ، ولا أنه مما يلزم عنه إبطال قاعدة من القواعد العقلية ، ولا هدم أصل من الأصول الدينية ، لم يستبعد وجود الجن ، والعمل بظواهر هذه الأدلة السمعية من غير تأويل.
وغاية ما فيه وجود أشخاص بيننا ونحن لا نراها وليس ذلك ممّا يمنع من وجودهم ؛ والّا لزم منه امتناع وجود الملائكة ، والحفظة الكاتبين ؛ وهو خلاف مذهب المسلمين ، وأرباب الشرائع.
وإن قلتم بالجنّ : فما الّذي يؤمنه أن يكون المخاطب له جنّى وما ألقى إليه ليس من عند الله. ومع هذا الاحتمال فلا وثوق برسالته.
[الشبهة] الثانية :
أن ما يكلمه وينزل إليه بالوحى : إما أن يكون جرمانيا ، أو روحانيا.
فإن كان الأول : وجب أن يكون مشاهدا مرئيا.
__________________
(١) قال الله ـ تعالى ـ (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) وقال ـ تعالى ـ (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) وعن علقمة قال : قلت لابن مسعود : (هل صحب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليلة الجن منكم أحد؟ قال : ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا : اغتيل أو استطير ، ما فعل به؟ قال : فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما كان فى وجه الصبح إذا نحن به يجئ من قبل حراء. فأخبرناه ، فقال : «إنه أتانى داعى الجن فأتيتهم فقرأت عليهم» فانطلق فأرانا آثارهم ، وآثار نيرانهم)
[انظر تهذيب الخصائص النبوية الكبرى للحافظ السيوطى تهذيب عبد الله التليدى حديث رقم ١٠٧ ص ١٠١].