أو كلمة منه بزيادة ، أو نقصان فى عصرنا هذا لم يجد إليه سبيلا. وكان ذلك مردودا عليه من جماعة لا يتصور عليهم التواطؤ على الكذب ؛ فكان نقلها عمن نقلت عنه إلينا متواترا.
ونعلم أيضا علما ضروريا أن حكم الناقلين إلينا فى ذلك بالنسبة إلى الناقلين إليهم كحكمنا بالنسبة إليهم. وكذلك فى كل عصر إلى أن ينتهى ذلك إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم.
كيف وأن القرآن لا يتقاصر فى العلم بنقل آحاد آياته عن آحاد أبيات ديوان بعض الشعراء المشهورين : كامرئ القيس (١) وغيره. وما من واحد منها إلا وهو معلوم من نقله عن شاعره حتى أنا نعلم أنّه لو منع مانع من نسبة آحاد أبياته إلى ذلك الشاعر ولو فى أىّ عصر كان من عصرنا ، أو فيما تقدّم عليه ، لردّ عليه جمع لا يتصور عليهم التواطؤ على الكذب.
ولا يخفى أنّ محافظة المسلمين على نقل القرآن ، وحفظه عن التبديل ، والتغيير فى كل عصر أشدّ من محافظة النقلة عن ديوان امرئ القيس ، وغيره ؛ فكانت آحاد آيات القرآن أولى أن تكون متواترة.
قولهم : إنّ الحفّاظ للقرآن فى زمن النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يبلغوا عدد التواتر ؛ مسلّم. ولكن ليس فى ذلك ما يدل على أن آحاد الآيات غير متواترة ؛ لجواز أن يكون الحفظة لكل آية السامعون لها وإن لم يكونوا حافظين لغيرها ، قد بلغوا عدد التواتر.
قولهم : إنّ عثمان (٢) عند جمع القرآن كان يتلقى آحاد الآيات من آحاد الناس وما كان يتوقف فيها على عدد التواتر (٣).
قلنا : ما كان يتوقف فى كل آية على عدد التواتر فى أصل نقلها عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أو فى أصل وضعها ، وترتيبها ، وطولها ، وقصرها وتقديمها ، وتأخيرها.
__________________
(١) امرؤ القيس : هو امرئ القيس بن حجر الكندى من أصحاب المعلقات من بنى آكل المرار ، أشهر شعراء العرب ، يمانى الأصل ولد بنجد سنة ١٣٠ قبل الهجرة سنة ٤٩٧ م وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، وقتل أبوه فانصرف عن لهوه ، وثأر من قتله أبيه ، وهو من أصحاب المعلقات المشهورين وله ديوان شعر كما كتبت عنه كتب كثيرة ، مات فى أنقره سنة ٥٤٥ م سنة ٨٠ ق الهجرة (الأغانى ٩ / ٧٧ والأعلام للزركلى ٢ / ١٢).
(٢) عثمان بن عفان رضي الله عنه : راجع ما سبق فى هامش ل ١٥٣ / أ.
(٣) التواتر : هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب (التعريفات للجرجانى ص ٧٦).