والكتاب المسطور بالقلم الأعلى ، هو صورة القضاء الأول البسيط الثابت في الروح الأعظم الأول ، والرق المنشور هو النفس الكلية المدبرة للعالم ، والسقف المرفوع هو السماء الدنيا على المعنى الذي سبق. فإن هذه السماوات الجسمانية بإزاء سماوات عقلية روحانية في العالم الأعلى العقلي ، فهي السماوات العلى في الحقيقة. إذ لا شك أن عالم الأجسام كله بالنسبة إلى عالم الروحانيات بمنزلة الأرض السفلى والمنزل الأدنى ، والبحر المسجور هو بحر الهيولى السيالة الممتلئة بالصور الطبيعية الكائنة الفاسدة المتواردة عليها على التعاقب كأمواج البحر ، وإنما وصف بحر الهيولى بالمسجور ، لأن هذه الطبائع الجسمية والصور الكونية باطنها نار الجحيم وهي نار كامنة في كل جسم ، وإن كان مثل الماء والأرض والجبال ، إلا أنها منغمرة في بعضها بحيث لا يبرز إلا بجهد جهيد وتحريك وسحق شديد ، بخلاف البعض الآخر ولذلك ما من جسم طبيعي إلا وينقلب إلى النار بالحركة والتلطيف والخضخضة ، وأهل الكشف يشاهدون النار الكامنة في بواطن الأجسام الطبيعية كلها رطبها ويابسها وباردها وحارها ، ويرون النار الأخروية في باطن جواهر الدنيا ، كما قال تعالى في حق آل فرعون : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) وقوله : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) وعن بعض الصحابة رأى بحرا فقال يا بحر ، متى تصير نارا