خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ، والأول غير زماني ، (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) ، فكذا الثاني (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) ، (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ).
حكمة كشفية
قال صاحب الكشف : القيامة قيامتان ، الصغرى وهي معلومة ، من مات فقد قامت قيامته ، والكبرى ووقتها مبهمة ولها ميعاد عند الله ، ومن وقتها فهو كاذب لقوله صلىاللهعليهوآله : كذب الوقاتون ، وكل ما في القيامة الكبرى فله نظير في الصغرى ، لما علمت أن الإنسان عالم صغير وأحواله أنموذج من أحوال الإنسان الكبير ، ومفتاح معرفة هذه الحقائق معرفة النفس الإنسانية ، وقس الآخرة بالأولى ، والموت بالولادة ، والولادة الكبرى بالولادة الصغرى ، والدنيا بالأم والقبر بالرحم ، والبدن بالمشيمة ، فمن أراد أن يعرف معنى القيامة الكبرى وظهور الحق بالوحدة التامة ، وطي السماوات وقبض الأرض ، واندراس الأزمنة والأمكنة ، واضمحلال المواد والأشخاص ، ورجوع الخلائق كلهم إلى الله ، وعود الروح الأعظم ومظاهره وآثاره إليه تعالى ، وفناء الكل عنده حتى الأفلاك والأملاك والنفوس والأرواح ، كما قال : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) ، وهم الذين سبقت لهم القيامة الكبرى ، فليتأمل في القواعد السابقة والشواهد الماضية ، من إثبات الحركة الجوهرية والاستحالة الذاتية ، وتوجه كل سافل إلى عال ، ورجوع كل شيء إلى أصله ، وعود كل ناقص إلى كماله ، ومن إثبات الغايات الذاتية للأشياء الطبيعية وأفاعيلها الذاتية ، فما من موجود إلا ويقع له الرجوع إلى الله يوما ، ولو بعد أحقاب وأكوار كثيرة ، إما بموت أو فناء أو استحالة أو انقلاب ، فكل حركة وانقلاب لا بد له من غاية ولغايته أيضا غاية إلى أن ينتهي إلى غاية يجتمع فيها الغايات ، وهي يوم واحد إلهي ، بل لحظة واحدة أو أقرب منها ، حاوية لجميع الأوقات والأزمنة والآنات التي يقع فيها النهايات ، كما أن جميع البدايات يبتدأ