إنما الدنيا كرؤيا أفرحت |
|
من رآها ساعة ثم انقضت |
قاعدة
في تحقيق قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وبيان أن الموت حق
اعلم أن من الحكمة البالغة والنعمة السابغة أن الله تعالى قد جمع في طينة الإنسان ما أفرد به الملائكة المقربين وما أفرد به الحيوانات المبعدين ، فأفرد الملك بروح علوي باق ، وأفرد الحيوانات بروح سفلي فان ، وخص الإنسان بمعجون مركب من الروحين ، فان حيواني وباق ملكي ، اتحدا ذاتا أحدية كما بين في موضعه ، فالحكمة في ذلك أن الروح الملكي غير مستحيل ولا نام ولا متغذ ، وإنما غذاؤه التسبيح والتقديس ، وهو بمثابة التنفس الضروري للحيوان (١) ولذلك ليس للملك ترق من مقام معلوم ، والروح الحيواني مستحيل متغذ نام قابل للتحول والانتقال ، إلا أنه إذا مات مات ولم يبق منه شيء ، فجعل الله الإنسان جامعا للروحين ، لينطبع روحه الملكي بطبع روحه الحيواني في التغذي وقبول الفناء الذي يعبر عنه بالموت ، ليصير بروحه الحيواني كائنا مستحيلا قابلا للفناء ، وينطبع روحه الحيواني بطبع روحه الملكي ، ليصير عارفا بالله مسبحا مقدسا له كالملك ، باقيا بعد الموت أي موت كان طبيعيا أو حيوانيا (٢) أو إراديا.
فخاصية الروح الحيواني أن يجعل الغذاء من جنس المغتذي ولونه وكيفه وصائرا من جنسه ، وخاصية الروح الملكي أن يسبح الله ويقدسه
__________________
(١) إن تسبيح الملائكة فعل إختياري ولكنه ضروري فطري إرادي اضطراري (نوري قدسسره)
(٢) لو لم ينطبع روحه الملكي بطبع روحه الحيواني لم يتسير له في النهاية الفناء في الله وصيرورته إنسانا ربانيا بل ربا إنسانيا (لأن الروح الملكي بالذات لا فناء له والفناء من خواص الروح الحيواني) وكذلك الروح الحيواني لو لم ينطبع بطبع ذلك الروح لم يتيسر له السلوك والسير إلى تلك الغاية التي يصير الحيوان الداثر الزائل الفاني بالوصول إليها باقيا بالله ، فأحسن التأمل في هذا الباب لينفتح عليك باب يفتح منه كثير من الأبواب ، ولا يهتدي إليها إلا أهل الكمال الذين هم أولو البصائر والألباب. نوري قدسسره.