هذه الطبائع النوعية هي ظلال وقوالب لتلك الذوات النورية والأرواح المهيمة العقلية ، وهي ظلال وقوالب للأسماء الإلهية التي هي عند محققي العرفاء بمنزلة أرباب الأرباب لتلك الأعيان الثابتة النوعية العقلية ، وتلك الأسماء كلها موجودة بوجود واحد إلهي هو الغيب المطلق وغيب الغيوب ، وما في هذا العالم شهادة مطلقة.
وأما الأسماء والأعيان العقلية وكذا الصور المثالية ، فكل منها غيب بالنسبة إلى ما تحتها ، وشهادة بالنسبة إلى ما فوقها. وقد علمت أن أمره تعالى يجب أن يكون موجودا مفارقا عن الأكوان الخلقية فهو لا محالة متقدم على عالم الأكوان الخلقية (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وهم العارفون بكيفية صنعه تعالى في الإبداع والإيجاد وإدامته وحفظه للأشياء حسبما يحتمله الأشخاص والأنواع ، فمنها ما يحتمل الدوام الشخصي ويمكن حفظه بالعدد ، ومنها ما لا يحتمل إلا الدوام النوعي ولا يمكن حفظه إلا بالنوع لا بالعدد ، يديمه بالنوع ويحفظ نوعه بالصور العقلية التي حقيقته ثابتة في صقع عالم الربوبية وبتوارد الأمثال التي هي كالأظلال والأشباح. فما من شيء من الموجودات الكونية إلا وله ظاهر وباطن ، فظاهره قشر ظلماني ، وباطنه لب نوراني على اختلاف الأشياء في الشرافة والخسة ، فالمنسوب إلى الله من كل شيء لبه ولطيفه وباطنه النوراني لا قشره وظاهره الكدر الظلماني لأن الظلمة والكدورة منشؤهما العدم والنقصان ومنبعهما الإمكان (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.) أي لطائفها وأرواحها ولذلك عقبه بقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ).
قاعدة
في أن جميع الموجودات متوجهة نحو الخير الأقصى والمبدإ
الأعلى طالبة للحق ، سالكة في طريقه ، مشتاقة إلى لقائه
. قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) ، وهذا سجود