بلا واسطة على الوجه المذكور مختص بالإنسان الكامل دون غيره كما علمت ، فكان العرض عاما على الممكنات مارا على المخلوقات كلها ، فلم يقبلها أحد للعلة المذكورة إلا الإنسان الكامل لفقره وعجزه وضعف قوته وبراءة ذمته عن جميع الشواغل الوجودية ، وقطع التفاته عن ما سوى الحبيب المطلق ، كما حكى الله عن خليله بقوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) ، وبقوله : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ).
تنوير تمثيلي
إن نسبة الإنسان إلى سائر المخلوقات كنسبة القلب إلى سائر الأعضاء ، وقد تحقق في علم الطبيعة أن قوة الحياة تفيض من الروح إلى القلب ، وبواسطته إلى سائر البدن ، فيصير ذا حياة وحس وحركة ، فكما أن فيض الروح عام على أعضاء البدن كلها على وجه العارية المردودة إلى أهلها ، وهو الروح عند الموت ، إلا أن قبوله وحمله مختص بالقلب ، ثم من القلب يسري أثر الحياة بواسطة الشرايين وعروق ما سأريقا إلى سائر الأعضاء ، لكل منها ما يناسبه ، فيكون به ذا قوة حياة وحس وحركة ، فكذلك عرض الفيض الإلهي عام على جميع المخلوقات على وجه يقوم عليها مدة ثم يرجع إلى مبدعه ومفيضه عند القيامة الكبرى ، إلا أن قبوله بلا واسطة وحمل أصله مختص بالإنسان الكامل ، ومنه يصل أثر الفيض إلى سائر المخلوقات ، وهذا هو سر الخلافة المخصوصة بالإنسان.
تتمة
وأما قوله : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) على صيغة المبالغة ففيه الإشارة إلى أن الظالم من يظلم غيره ، والظلوم من يظلم نفسه ، وكذا الجاهل من يجهل غيره ، والجهول من يجهل نفسه ، أما ظلم الإنسان على نفسه فإفناؤه ذاته وإماتته نفسه بالإرادة ، وأما جهله بنفسه فلأنه ما عرف نفسه ولم يعلم أنه