المشهد الرابع
في البعث والحشر
قاعدة
أما البعث فهو خروج النفس عن غبار الهيئات البدنية المحيطة بها ، كما يخرج الجنين من القرار المكين ، ومدة كون الميت في القبر ككون الجنين في الرحم ، ونسبة حالة القبر إلى حالة البعث كنسبة الجنين إلى المولود ، قوله تعالى (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ، وقد مرت الإشارة إلى أن للإنسان أنحاء من الوجود بعضها أقوى وأتم من بعض ، وأن له بعد هذه النشأة العنصرية نشئات أخرى ، وأما قول صاحب الإحياء إن دنياك وآخرتك ليستا إلا حالتاك ، وهما من جنس المضاف ، فليس كما ينبغي إلا أن يراد بالحالة نحو من الوجود الجوهري ، وليس المراد من كون الدنيا والأخرى أمران إضافيان ، أن هوية الإنسان نحو واحد من الوجود ، يكون أولا في هذا العالم وثانيا في ذلك العالم من غير تحول جوهري وحركة معنوية ، بل الدنيوية والأخروية والأولية والآخرية صفتان جوهريتان له ، وطوران وجوديتان لذاته لما سبق ، من أن الإنسان من لدن حدوثه يشتد وجوده شيئا فشيئا ويتطور في الأطوار الوجودية تدريجا ، إلا أن الدنيا جامعة لطائفة من تلك الأطوار والآخرة جامعة لما بعد هذه الأطوار إلى ما لا نهاية له ، وجميع الأطوار الدنياوية على تفاوتها في الدناءة والشرف خسيسة دنية