أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، وإدراكها متوقف على نزعها من القشور وإخراجها عن موادها التي هي كالقبور ، (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) و (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) والأبصار ، فمن نظر اعتبر ومن اعتبر عبر.
وأما وساوس العادة فهي تسويلات النفس الأمارة بالسوء وتزيينها الأعمال الغير الصالحة ، وترويجها الاعتقادات الكاسدة ، وتصويرها الآراء الفاسدة بصورة الحق ، ومنشؤها قوة الخيال والوهم ، كما أن منشأ القسم الأول قوة الطبع والحس ، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
وأما نواميس الأمثلة فهي كمتابعة أهل الضلال وتقليد المشهورين بالفضل والدراية ، واستهواء الشياطين من الإنس ، أعني علماء السوء ، وإجابة دعوتهم وتتبع آرائهم الفاسدة واقتفاء آثارهم المغوية المضلة ، قوله تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ، (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ، و (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) ... ، وقالوا (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) ، وهذا سد عظيم وحجاب شديد وقع على أكثر الناس أعني تقليد الجهال المتشبهين بالعلماء ، من الجدليين الضالين المضلين المكذبين لأنبياء الله وهم لا يشعرون ، وهم الذين قال الله فيهم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، وقال : (مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ، وقال : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).