حاجات الحياة ، ولطلب الرزق ، (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) تبشر بهطول المطر (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) والمراد بالسماء جهة العلو في أجواء الفضاء التي تطل على الأرض ، فجعلنا السحاب المرتفع يحمل ماء طهورا يطهّر كل شيء يصل إليه ، إذ يزيل الأوساخ ويذهب بالأرجاس والأحداث.
(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) لا نبات فيها ولا حياة ، فتدب فيها الحياة من جديد ، فيهتز العشب ، وتنفتح البذور ، ويخضرّ الزرع وينمو ويمتد ، ويتدلى الثمر ، (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) وكلهم يحتاجون الماء الذي هو سرّ بقاء الحياة في الجسد ، فلولاه لما أمكن للحياة أن تبقى أو تنمو وتتحرك ، وذلك كله دليل عظمة الله في خلقه ، ورحمته في نعمته ، وحاجة الحياة كلها في النبات والحيوان والإنسان إليه ، في تدبيره وحكمته ، مما يجعل ارتباط الجميع به بالمستوى الذي يستمد كل شيء حياته منه ، في البدء والامتداد ، وهذا ما يجب على الناس أن يتأملوه ويفكروا فيه ، ليتعرفوا حقيقة التوحيد ، في مواجهة خط الكفر والرشد ، من خلال النظرة الواعية العميقة ، والتفكير الصافي المنفتح.
(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) قيل : إن الضمير في كلمة (صَرَّفْناهُ) يعود إلى الماء الذي تقدم ذكره في الآية السابقة ، ليكون المعنى ، صرفه من قوم إلى قوم في عملية توزيع عادلة ، فلا يدوم نزوله على قوم ليهلكوا ، أو ينقطع عن قوم دائما ليهلكوا ، بل يدور بينهم لينال كل قوم نصيبهم منه بحسب المصلحة.
ويمكن أن يكون المراد تصريف الذكر وتنويعه بحسب الأساليب المختلفة في تقريب الفكرة إلى النفوس ، وذلك عبر ما تقدم من الحديث عن القرآن بطريقة وبأخرى. أمّا ارتباط التذكير ، كهدف ، من خلال المعنى الأول ،