يكفر بها ليهتدي بها إلى وجوده ووحدانيته ، من خلال ما توحي به من دلائل عظمته وما تثيره في الفكر من الانفتاح على عالم الإيمان والكفر والهدى والضلال في شخصية الإنسان ، من خلال الإيحاءات والإشارات التي تقرّب للإنسان الصورة في ذلك.
(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) الذي تعيشونه كظاهرة يوميّة متحركة ، تكتمل بها الصورة الكونية في سطح الأرض ، عند ما تشرق الشمس وتمتد في الأفق ، فيمتد الظل الذي يمثل المساحة الواسعة التي لا تشرق عليها الشمس ، بينما كانت تشمل الساحة كلها قبل إشراقة الشمس على الكون ، من دون أيّة حركة ، ولكن الشمس تشرق ، ويمتد الظل معها ويتحرّك ضمن ما تنكمش الشمس عنه من الأرض ، تبعا للحواجز التي تحجزها عن امتداد نورها ، (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) مما يمكن أن يبدعه من الوضع الكونيّ الذي يجمّد إشراق الشمس في مكان ليتجمد الظل في المكان المقابل ، (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) فإن طبيعة الشروق في منطقة تحدد موقع الظل في المنطقة الأخرى التي تنحسر عنها الشمس أو لا تصل إليها ، (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) كلما امتدت الشمس في الأفق واتسع نورها في الكون ، فإن الظل ينكمش ويتضاءل حتى تصل الشمس إلى المدى الذي ترتفع فيه فتشرق على الأفق كله ، فلا يبقى للظل موقع في الأرض ، ليمتدّ بعد ذلك من جديد.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) في ما يمثله من حالة الستر التي يوحي بها الظلام الذي يغشى الكون فيخفي كل الأشياء التي يمتد إليها ، تماما كما هو اللباس الذي يلبسه الإنسان ليستر عورات الجسد وخفاياه ، (وَالنَّوْمَ سُباتاً) في ما يطبق به على كل جوانب الحركة في الإنسان ، حيث يجمد فيه كل نشاط عمليّ ، ويقطعه عن العمل (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) إذ يثير اليقظة التي تمتد في كل كيان الإنسان فتدفعه إلى الحركة والانتشار للقيام بالأعمال التي تتطلبها