وبذلك كان الاستسلام للهوى في كل ما يدفع إليه من مواقف يمثل الالتزام بألوهيته من قبل هذا الإنسان ، تماما كما هي عبادة الأشخاص حيث تتمثل في إطاعتهم والخضوع لإرادتهم ، وإن لم يتخذوا لهم هذه الصفة بشكل مباشر. وهذا ما جاء في القرآن في قوله تعالى في عبادة الناس للشيطان : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس : ٦٠ ـ ٦١] ، حيث اعتبر طاعة الشيطان عبادة له ، وإن لم يعترف المطيعون بمعنى العبادة فيه ، كما أن عبادة الله تتمثل في السير على خط طاعته والبعد عن معصيته.
(أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) أي لست مسئولا عنه ومسلطا عليه ، على سبيل الاستفهام الإنكاري ، لأنك لا تملك من أمره شيئا ، ما دام مستقلا في إرادته ، ورافضا للالتزام بدعوتك.
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) إنهم لا يحركون أسماعهم في طريق المعرفة ، ولا يثيرون عقولهم في آفاق الحق ، من خلال الترابط بين السمع الذي ينقل الكلمة وبين العقل الذي يبلور الفكرة من خلالها بالتأمل والتفكير.
وربما كان هناك وجه آخر للحديث عن السمع أو العقل ، وهو ما ذكره صاحب الميزان في قوله : «والترديد بين السمع والعقل من جهة أنّ وسيلة الإنسان إلى سعادة الحياة أحد أمرين ، إما أن يستقل بالتعقل فيعقل بالحقّ فيتبعه ، أو يرجع إلى قول من يعقله وينصحه فيتبعه إن لم يستقل بالتعقل ، فالطريق إلى الرشد سمع أو عقل ، فالآية في معنى قوله: (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١) [الملك : ١٠].
(إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) التي لا تعي أيّ معنى في الكلمة التي تسمعها ، فلا
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٥ ، ص : ٢٢٣.