معاد الله
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) فكرا تركّز عليه قواعد التفكير للناس ، وشريعة تنظم حياتهم ، ومنهجا يحدد لهم خط السير ، ومنطلقا للتحدي ضدّ الذين يفرضون الشرك على فكر الحياة وحركتها ، ممّا يؤدي إلى أكثر من مشكلة على مستوى الأوضاع العامة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وللمسلمين ، من تشريدهم وتهجيرهم ، وتعذيب الكثيرين من المسلمين والمستضعفين ، الأمر الذي قد يوحي للداعية بالقلق والحزن العميق ، (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) يؤكد لك وللمسلمين معك الطمأنينة والاستقرار والقوّة ، لأنه لم يفرض عليك القرآن ليجعلك في دائرة الضياع والاهتزاز ، ولكن لينطلق بك في تجربة الدعوة إلى ساحات الصراع التي تصنع للحياة تجربتها المريرة القاسية التي تثبّت مواقع الدعوة من حركة المعاناة الصعبة التي تختزن الآلام في عمق العاملين لتتحول ـ بعد ذلك ـ إلى مواقف إنسانية على أساس الإسلام. فإن الرسالة لا تفرض نفسها على الواقع ، إلا إذا خلقت في داخله ، وفي آفاقه ، اهتزازا وصراعا ومشاكل فكرية وعملية ، ليكون هناك مؤيدون لها يعملون في سبيل تأييدها والدفاع عنها ، ومعارضون لها ، يعملون في سبيل تهديمها والهجوم عليها ، وتتصاعد الأزمات وتشتد ، وتعصف الرياح وتثور ، ثم تكون الكلمة العليا لله ، وتعود الرسالة إلى قاعدتها لتصنع القوّة ، وتبني قواعد المستقبل.
واختلف المفسرون في هذا المعاد ما هو؟ «فقيل : هو مكة ، فالآية وعد له أن الله سيردّه بعد هجرته إلى مكة ثانيا ، وقيل : هو الموت ، وقيل : هو القيامة ، وقيل : هو المحشر ، وقيل : هو المقام المحمود وهو موقف الشفاعة الكبرى ، وقيل : هو الجنة ، وقيل : هو بيت المقدس ، وهو في الحقيقة وعد بمعراج ثان يعود فيه إلى بيت المقدس بعد ما كان دخله في المعراج الأول ،