الإنسان ثباتا وعمقا وامتدادا ، وكان قولهم لهؤلاء البسطاء الذين يريدون الحياة الدنيا وحدها ، في غفلة عن الآخرة : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) فهو الضمانة الوحيدة للخلاص ، لأنه هو الذي يتعهد الإنسان في حياته في ما يتعهده من النعم والرعاية والخير الكبير ، وهو الذي ينتظره في الآخرة ليدخله جنته ، وليمنحه رحمته ورضوانه ، ليعيش النعيم الخالد الذي لا فناء فيه ، (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) الذين يصبرون على نوازع أنفسهم وشهواتها وعلى تحديات الآخرين واستعراضاتهم ، وعلى انتظار الغاية الباقية في أجواء الأوضاع الفانية ، وعلى مرارة الآلام التي تصيبهم من خلال مواقفهم ، وعلى قسوة الحياة الصعبة في مواقع رضى الله ، وعلى مواجهة المسؤوليات الكبيرة من عمق الإرادة الإيمانية وصلابة العقيدة ، لأن التحرك في مواجهة التيار القويّ المندفع ، يحتاج إلى قوّة التحمّل لتلقّي ضربات التيار ، والصابرون وحدهم هم الذين يواجهون تيارات الكفر والضلال والطغيان والمندفعة إلى حياتهم لإبعادهم عن طريق الله.
* * *
خسف الأرض بقارون
(فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) بعد أن بلغ بالتمرد غايته وتحدّى الله بغوايته ، فلم يبق منه شيء في الدنيا ، فدفن في الأرض قبل أن يموت ، (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) من هؤلاء الذين كانوا يخضعون له ويتزلفون إليه ويعاونونه على مواجهة أعدائه ، وعلى تحقيق رغباته ، لأن المسألة الآن هي مسألة قوّة الله في عقاب عدوّه ، فما ذا يملكون من قوّة أمام الله؟ (وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) لأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، فكيف يمكن أن ينتصر لنفسه من الله؟!