النعمة الوافرة تفرض شكر المنعم ، وأن كفرانها يعرّضها للزوال. (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) في الدنيا والآخرة ، لأن مالك الدنيا والآخرة هو الله الذي أعطاكم ذلك كله وحملكم مسئوليته.
(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) فلن يغيّر من المسألة شيئا ، وهي أننا ماضون في عقيدتنا وعبادتنا للأصنام وعاداتنا وتقاليدنا ، فلا قيمة لكلامك ، لأنه لن يهز أي شيء من الثوابت التي عمّقناها في ذاتنا مما اعتقدناه واعتدناه وألفناه ، فلا مجال للمناقشة والجدل في ذلك كله ، (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) الذين نلتزم أخلاقهم من عادات وأفكار وقضايا وأوضاع ، لأنهم القاعدة التي ننطلق منها ونرتكز عليها في أعمالنا ومعتقداتنا. فإذا كانوا قد عبدوا الأصنام ، فلا بدّ من أن نعبدها.
وربما فسّرها البعض بأن المراد هو الإشارة إلى دعوة هود إلى التوحيد والموعظة ، باعتبارها من عادة الأنبياء السابقين عليه ، أو البشر الأوّلين الماضين من أهل الأساطير والخرافات وهذا كقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥]. والتفسير الأوّل أقرب إلى الفهم من التفسير الثاني ، والله العالم.
(وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لأن الحياة التي نعيش فيها هي نهاية المطاف ، فلا بعث بعدها ولا حياة حتى يتحدث المتحدثون ، كما تحدّثت ، بأن هناك عذابا على الكفر والضلال (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) بتكذيبهم وكفرهم وعنادهم ، بعد قيام الحجة عليهم من الله ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) لمن اعتبر بما أصاب من قبله من الأمم السالفة ، ليتخذها دليلا على النهج الحق الذي يلتقي برضا الله سبحانه ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) فلن ينتقص كفرهم من عزة الله التي تتحرك في حياة الناس مع الرحمة ، فهو العزيز الذي لا يكلّف عباده من موقع ضعف ، وهو الرحيم الذي يفتح لهم أبواب رحمته ، ولكن الأكثرية منهم تبتعد عن رحمته ، فلا بد من أن تلاقي نتائج ذلك في ما يصبّ عليهم من سياط نقمته.