(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) حيث كانوا يقومون بالبناء على رؤوس الجبال ، (آيَةً تَعْبَثُونَ) لأن ذلك لم يكن عن هدف معقول ، وحاجة ملحّة ، بل كانت المسألة استعراضا ولهوا واتباعا للمزاج الذاتي الذي يبحث عن الزهو في الشكل دلالة على الرفعة والقوّة ، مما يجعل من القضية قضية عبث يمارسونه في ما يبنونه ، وليست قضية حاجة في ما يحتاجونه ، (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) وهي ـ كما قيل ـ الحصون المنيعة والقصور المشيّدة والأبنية العالية التي تمثل الثبات والدوام لقوتها وصلابتها وامتناعها عن الاهتزاز والخلل والسقوط (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) إذ يخيّل إليكم أن خلود البناء وتمرّده عن السقوط ، يؤدّي إلى خلود الإنسان الذي يقيم فيه ، أو أن خلوده يوحي بامتداد الذكر الخالد في التاريخ أو ما أشبه ذلك.
(وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) في استعراض القوّة الجسدية والماديّة ، والطغيان في استعمال وسائلها بالتعسف والقسوة والظلم للناس من خلال العقلية المتجبّرة المتحركة في مواقع الاستعلاء الذاتي على الناس ، تماما كما هم الجبارون الذين لا يعيشون إنسانية الإنسان في حياتهم ، بل يتقمصون شخصية الوحش في واقعهم ، فإذا بطشتم بالناس الذين هم أضعف منكم فإنكم تبطشون بطش الجبارين الذين يبغون في الأرض بغير الحق ، فيستغلّون قوتهم لإضعاف الآخرين لا لمجرد الدفاع عن أنفسهم ، ولا يتوقفون عند حدّ معين ، بل يتجاوزون كل الحدود المعقولة التي يتبعها الناس في أمثال ذلك.
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) وراقبوه في كل أموركم ، فإذا كنتم أقوياء ، فإن الله هو الأقوى ، وإذا كانت النعم المتوافرة لديكم هي الأساس في سلوككم المنحرف لأنها توحي لكم بالعلوّ والرفعة ، فإن الله هو الذي أعطاكم ذلك كله ، وهو القادر أن يسلبكم كل ذلك ، (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) مما تأكلون منه وتشربون وتستمتعون به من حاجات الحياة الذاتية في المال والبنين والشهوات الحسية. فكّروا جيدا بوعي التقوى أن